لماذا فشل التمويل الأصغر المعتمد على الاعانات: تجربة أفريقيا في التسعينات

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير الخبراء، برنامج الخليج العربي للتنمية، أجفند. 11 يوليو 2024

في تسعينيات القرن العشرين، كان النهج الذي تبناه صناع السياسات (والجهات المانحة الأخرى كالمنظمات غير الطوعية والخيرية والصناديق الاجتماعيه وغيرها) نحو تعزيز التمويل الشامل خاصة شريحة الفقراء يتألف إلى حد كبير من التدابير التوجيهية أو التدخلات المباشرة من خلال مزيج من برامج الائتمان المستهدفة للفقراء بدون فوائد أو عبر إعانات الفائدة، وإنشاء مؤسسات تمويل التنمية الاجتماعية المتخصصة وغيرها من أدوات الجهات المانحة والحكومية. علما بأن التمويل لم يفرز بين الفقراء النشطين وغير النشطين اقتصاديا. وكانت الحجج لصالح التدخلات المباشرة وبرامج التمويل الأصغر المدعومة تستند الى الأفكاء التاليه:

الفقراء لا يدخرون نتيجه لضعف دخولهم، لهذا يحتاجون للتمويل بأقل التكاليف.

الفقراء يحتاجون إلى ائتمان رخيص لتمكينهم من المساهمة بمقدراتهم العملية في الأنشطة الاقتصادية.

الائتمان الرخيص من شأنه أن يشجع الفقراء والمؤسسات الصغيرة على زيادة الانتاج، خاصة وأن أعدادها كبيرة.

البنوك التجارية تدعم اليسير من الائتمان صغير الحجم أو لا تقدم أي ائتمان على الإطلاق لضعف العائد ولعدم تناسبية هياكلها مع صغار المنتجين، مما يجبر المقترضين الصغار والفقراء للجوء الى مقرضي الأموال الأفراد الذين يفرضون بأسعار فائدة باهظة، لذلك ينبغي مساعدتهم بهوامش ضعيفة أقل من الهوامش السوقية.

أثبتت التجاربة العملية أن هذه البرامج محدودة الانتشار بشكل عام وأسفرت عن تكاليف باهظة لمنظميها وداعميها، مع تأثير ضئيل على الشمول المالي للفقراء، فضلا عن أنها شوهت سوق التمويل الأصغر وقدمت مفاهيم خاطئة للتمويل القاعدي لدى العملاء بأنه منحه غير مستردة. وعلاوة على ذلك، انهارت برامج مؤسسات التمويل الأصغر والصناديق التي ترعاها الحكومة والجهات المانحة تحت وطأة الخسائر الكبيرة التي أحدثها الائتمان التدخلي والموجهة والمعتمدة على الدعم، فضلا عن ظهور معدلات استرداد منخفضة للغاية، ومحافظ استثمارية غير متنوعة ولا تشمل محافظ الانتاج الحقيقي من السلع في القطاعات المنتجة بل اتجه معظمها نحو تقديم الخدمات والتمويل الفردي مع استهداف الائتمان الأصغر بشكل غير كاف مقارنة بالطلب عليه نتيجة لضعف الموارد الحكومية وموارد المنظمات العاملة فيه. كما تم إخراج المؤسسات المالية الخاصة الهادفة نحو الربح من السوق من قبل مؤسسات التمويل الأصغر المدعومة من الدولة والجهات المانحة.

ان تكاليف وفوائد التمويل الأصغر المدعوم لا تزال مثيرة للجدال. ولكن هناك اتفاق عام على تأثير الإعانات على كل من كفاءة المؤسسات المانحة ومخاطر الانحراف عن المهمة. علما بأن مؤسسات التمويل الأصغر التي تقدم القروض وتجمع الودائع الصغيرة لا تحتاج إلى إعانات لتكون فعالة من حيث التكلفة. كما أن الجمع بين الأموال المدعومة من المانحين مع الأموال غير المدعومة من الممولين يزيد من خطر الانحراف عن المهمة، وبالتالي يمكن أن يكون غير مرغوب فيها. ومهما يكن من أمر، وعلى الرغم من الموارد الهائلة الموجهة إلى تدخلات الائتمان المدعومة وعمليات الإنقاذ المتكررة لمؤسسات الائتمان المملوكة للدولة بضح موارد مالية من الخزينة العامة للدول، إلا أن هذا النهج فشل في توفير الوصول إلى الخدمات المالية للفقراء والمؤسسات الصغيرة.

ولكن مع إصلاحات القطاع المالي التي تم إطلاقها بعد ذلك ودخول التمويل الأصغر المربح في منتصف التسعينات وتبني البلدان الأفريقية برامج إدارة اقتصادية قائمة على السوق، بما في ذلك أسعار الفائدة وأسعار الصرف المحررة، مع استهدفت الحفاظ على الظروف الاقتصادية الكلية المستقرة، وخاصة انخفاض التضخم واستقرار أسعار الصرف، وصولا نحو تعزيز الأنظمة المالية السليمة. كما قاموا بإعادة تأهيل البنوك المتعثرة وخصخصة معظمها، وفي الوقت نفسه فتحوا القطاع المصرفي أمام المنافسة مع القطاع الخاص وفتح فرص واليات مربحة للقطاع الخاص، تحسن الأداء وأصبح التمويل الأصغر الهادف نحو تحقيق الأرباح هو السائد وتوسع نطاقة عبر سياسات وبرامج واليات واستراتيجيات تبننتها البنوك المركزية بعد ادخال التمويل الاصغر كجزء من سياسات التمويل المصرفي عبر انشاء مؤسسات للتمويل الأصغر التي انداحت نحو الريف لمقابلة طلبات الفئات الضعيفة القاعدية غير المشموله بالخدمات التمويلية الضرورية وبأسعار سوقية، خاصة في القطاع الزراعي صغير الحجم.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

مزايا التمويل الجماعي في التمويل الأصغر

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير الخبراء، برنامج الخليج العربي للتنمية، …