من الحقائق إلى الأكاذيب: التحريف العلمي تهديد للمعرفة وثقة المجتمع في العلم
استراتيجيات لتعزيز التفكير النقدي لمواجهة التحريف العلمي في عصر المعلومات
شبكة بيئة ابوظبي، د. طارق قابيل (*)، القاهرة، جمهورية مصر العربية، 02 نوفمبر 2024
تعتبر ظاهرة التحريف العلمي والتلاعب بالحقائق من الظواهر التي تشغل بال الباحثين والمفكرين في العصر الحديث، حيث تؤثر على طريقة فهمنا للعلم والعالم من حولنا. والتحريف العلمي هو عملية تغيير أو تشويه المعلومات العلمية لأغراض معينة، مثل تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، ويمكن أن يحدث التحريف العلمي عندما يتم تقديم البيانات أو النتائج العلمية بشكل مضلل أو عندما يتم تجاهل الأدلة العلمية المتاحة لدعم وجهة نظر معينة. والتحريف العلمي لا يقتصر فقط على تشويه الحقائق، بل يمتد ليشمل تلاعبًا بالبيانات والنتائج العلمية لأغراض سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. وتعتبر ظاهرة التحريف العلمي واحدة من التحديات الكبرى التي تواجه المجتمعات الحديثة، حيث تؤثر بشكل عميق على كيفية فهمنا للعلم والعالم من حولنا.
تاريخيًا، شهدنا أمثلة عديدة على كيفية تأثير التحريف العلمي على القرارات السياسية والصحية، مما أدى إلى عواقب وخيمة على المجتمع. من مقاومة الكنيسة الكاثوليكية لنظرية “كوبرنيكوس” إلى الجدل المستمر حول نظرية التطور، يظل التحريف العلمي قضية حيوية تتطلب وعياً مستمراً. وفي ظل التقدم التكنولوجي وسرعة انتشار المعلومات، وفي عصر تتسارع فيه وتيرة المعلومات وتتداخل فيه الحقائق مع الأكاذيب، يصبح من السهل على المعلومات المضللة أن تنتشر بسرعة عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. وأصبح من الضروري فهم ظاهرة التحريف العلمي وتأثيرها على المجتمع. ولكن الأمر يتطلب وعيًا مجتمعيًا وقدرة على التفكير النقدي للتمييز بين الحقائق والأكاذيب، مما يسهم في تعزيز الثقة في العلم ودعم اتخاذ القرارات المبنية على معلومات صحيحة وموثوقة.
وفي عالم اليوم، حيث تتزايد التحديات مثل التغير المناخي والأوبئة، يصبح من الضروري تعزيز الفهم العام للعلم وطرق التحقق من المعلومات. إن مواجهة التحريف العلمي ليست مجرد ضرورة أكاديمية، بل هي واجب مجتمعي لحماية الصحة العامة وتعزيز الديمقراطية واستدامة المعرفة.
تعريف التحريف العلمي وأهميته
التحريف العلمي هو عملية تغيير أو تشويه المعلومات العلمية بهدف تقديم صورة غير دقيقة أو مضللة عن الواقع. ويمكن تعريفه على أنه عملية تعديل أو تغيير المعلومات العلمية أو البيانات بغرض تقديمها بشكل غير دقيق أو مضلل. ويمكن أن يحدث التحريف نتيجة لأسباب متعددة، مثل تحقيق مكاسب سياسية، اقتصادية، أو اجتماعية، أو دوافع شخصية، أو سياسية، أو تجارية.
ويكتسب التحريف العلمي أهمية كبيرة لعدة أسباب مثل تأثيره على المجتمع، حيث يمكن أن يؤدي التحريف إلى اتخاذ قرارات غير صحيحة، سواء في السياسة، الصحة، أو التعليم. ويُضعف التحريف من مصداقية العلم ويؤدي إلى فقدان الثقة في النتائج العلمية. ويمكن أن يكون له تأثيرات كبيرة على المجتمع، حيث يمكن أن يؤثر على السياسات العامة، والقرارات الصحية، والوعي البيئي، وغيرها من المجالات الحيوية.
أهمية فهم التحريف العلمي تكمن في القدرة على تمييز المعلومات الصحيحة من المضللة، مما يساعد الأفراد والمجتمعات على اتخاذ قرارات مستنيرة. وفي عصر المعلومات، يصبح من الصعب التمييز بين الحقائق والخيال، مما يستدعي توعية المجتمع حول كيفية تحليل المعلومات وفهم نتائج البحوث، وتعزيز مهارات التفكير النقدي يمكن أن يساعد الأفراد في تقييم المعلومات بشكل أفضل، مما يقلل من تأثير الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة.
ولتمييز المعلومات الصحيحة من المضللة، يمكن اتباع بعض الخطوات:
تحليل مصدر الخبر: التحقق من مصداقية المصدر ومعرفة خلفية الكاتب أو المؤسسة التي نشرت الخبر.
محتوى الخبر: فحص المحتوى بحثًا عن التحيز أو عدم الدقة، والبحث عن مصادر موثوقة تدعم المعلومات المقدمة.
هدف الخبر: فهم الهدف من نشر الخبر يمكن أن يكشف عن نوايا خفية وراء المعلومات المقدمة، سواء كانت سياسية أو تجارية.
أمثلة تاريخية على التحريف العلمي
على مر التاريخ، كانت هناك العديد من الأمثلة على التحريف العلمي التي أثرت بشكل كبير على المجتمع. إليك بعض الأمثلة البارزة:
• مقاومة الكنيسة الكاثوليكية لنظرية كوبرنيكوس: في القرن السادس عشر، اقترح نيكولاس كوبرنيكوس أن الأرض تدور حول الشمس، وهو ما يتعارض مع المعتقدات السائدة في ذلك الوقت. واجهت هذه النظرية مقاومة شديدة من الكنيسة الكاثوليكية، التي اعتبرت أن هذا الفكر يتعارض مع العقيدة الدينية. أدى ذلك إلى محاكمة غاليليو غاليلي في القرن السابع عشر بسبب دعمه لنظرية كوبرنيكوس.
• نظرية التطور: في القرن التاسع عشر، قدم تشارلز داروين نظرية التطور من خلال الانتقاء الطبيعي. ومع ذلك، واجهت هذه النظرية معارضة شديدة من بعض الأوساط الدينية والعلمية التي اعتبرت أن هذه الأفكار تتعارض مع الروايات الدينية حول خلق الإنسان. هذا الجدل لا يزال مستمرًا حتى اليوم في بعض المجتمعات.
• التحريف العلمي في الطب: خلال القرن التاسع عشر والعشرين، تم استخدام نظريات طبية غير مثبتة مثل “نظرية الجراثيم” بشكل خاطئ لتبرير ممارسات طبية غير فعالة أو ضارة. على سبيل المثال، تم استخدام العلاج بالصدمة الكهربائية بشكل مفرط دون أدلة كافية على فعاليته.
تظهر هذه الأمثلة كيف يمكن للتحريف العلمي أن يؤثر على الفهم العام للعلم ويؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مستندة إلى الأدلة. لذلك، من الضروري تعزيز الوعي حول أهمية الأدلة العلمية وطرق التحقق منها.
أمثلة حديثة على التحريف العلمي وتأثيرها على المجتمع
في السنوات الأخيرة، شهدنا العديد من الأمثلة على التحريف العلمي وتأثيرها على المجتمع، خاصة في مجالات الصحة والبيئة. إليك بعض الأمثلة الحديثة:
• التحريف حول لقاحات كوفيد-19: خلال جائحة كوفيد-19، انتشرت معلومات مضللة حول سلامة وفعالية اللقاحات. تم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر ادعاءات كاذبة، مثل أن اللقاحات تسبب العقم أو أنها تحتوي على شريحة تتبع. هذه المعلومات المضللة أدت إلى تردد كبير في تلقي اللقاح، مما أثر سلبًا على جهود السيطرة على الوباء.
• إنكار التغير المناخي: في العقود الأخيرة، أصبح إنكار التغير المناخي ظاهرة بارزة. على الرغم من الأدلة العلمية القوية التي تدعم وجود تغير مناخي ناتج عن النشاط البشري، إلا أن بعض الجماعات تستمر في نشر معلومات مضللة لتقويض ولا يزال إنكار التغير المناخي يمثل تحديًا كبيرًا. هذا التحريف يؤثر على السياسات العامة ويعوق اتخاذ إجراءات فعالة لمواجهة التغير المناخي، مما يزيد من المخاطر البيئية.
• المعلومات المضللة حول الأغذية المعدلة وراثيًا: هناك جدل مستمر حول الأغذية المعدلة وراثيًا، حيث يتم نشر معلومات مضللة تدعي أنها تسبب أمراضًا أو تؤثر سلبًا على البيئة. هذه المعلومات تؤدي إلى قلق عام وتردد في قبول هذه التكنولوجيا التي يمكن أن تحل مشاكل غذائية كبيرة، مما يعيق الابتكار الزراعي.
• التحريف في الطب البديل: تم استخدام “التحريف العلمي و “الغازلايتينغ” من قبل مؤيدي الطب البديل لتقويض الأبحاث العلمية التي تدعم العلاجات التقليدية. يتم تقديم التجارب الفردية كأدلة على فعالية العلاجات البديلة، مما يؤدي إلى تشكيك الجمهور في فعالية الطب القائم على الأدلة.
• تأثير المعلومات الخاطئة على الصحة العامة: خلال تفشي فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) وجائحة كوفيد-19، تم استخدام لتقويض الأدلة العلمية حول كيفية انتقال الفيروسات، مما أثر سلبًا على استجابة المجتمع وأدى إلى وصمة عار ضد المصابين.
تأثير هذه الأمثلة يتجاوز مجرد نشر معلومات خاطئة؛ فهي تؤدي إلى فقدان الثقة في المؤسسات العلمية وتؤثر على القرارات السياسية والصحية. وتظهر هذه الأمثلة كيف يمكن للتحريف العلمي أن يؤثر بشكل عميق على الثقة في المؤسسات العلمية ويعوق اتخاذ قرارات مستنيرة في مجالات حيوية. ولهذا فإن تعزيز الوعي العام حول أهمية التحقق من المعلومات وفهم الأسس العلمية يعد أمرًا ضروريًا لمواجهة هذه الظاهرة وحماية المجتمع من آثارها السلبية.
الآليات المستخدمة في التحريف العلمي
لفهم التحريف العلمي، يجب النظر في كيفية حدوثه وأسبابه. فالتحريف العلمي يعتمد على مجموعة من الآليات التي تهدف إلى تشويه الحقائق العلمية وإرباك الجمهور. وإليك بعض الآليات الرئيسية المستخدمة في هذا السياق:
• التفسير الخاطئ: حيث يتم تفسير النتائج العلمية بشكل خاطئ أو مبالغ فيه.
• تشويه المعلومات والتلاعب بالبيانات: يتضمن تقديم معلومات بشكل مضلل أو انتقائي لدعم وجهة نظر معينة. ويمكن أن يحدث ذلك من خلال الانتقاء الانتقائي، حيث يتم اختيار البيانات التي تدعم وجهة نظر معينة وتجاهل البيانات التي تعارضها. أو عن طريق اقتباس أجزاء من دراسات علمية دون تقديم السياق الكامل. حيث يتم تعديل أو حذف البيانات لتناسب فرضية معينة.
• تسليط الضوء على الشواذ: التركيز على حالات فردية أو استثنائية لتقويض الحقائق العامة. مثل الإشارة إلى حالات نادرة لآثار جانبية للقاحات لتبرير رفضها.
• إنكار الواقع: يتمثل في رفض الحقائق العلمية المعروفة أو التشكيك فيها. على سبيل المثال، إنكار التغير المناخي رغم الأدلة القوية التي تدعمه.
• إثارة الشكوك: نشر الشكوك حول مصداقية العلماء أو المؤسسات العلمية. هذا يمكن أن يؤدي إلى فقدان الثقة في الأبحاث العلمية ويعوق التقدم.
• التلاعب بالعواطف: استخدام العواطف للتأثير على الرأي العام بدلاً من تقديم أدلة منطقية. على سبيل المثال، قد يتم استخدام قصص شخصية مؤثرة لتشويه الحقائق العلمية.
تتداخل هذه الآليات مع بعضها البعض، مما يجعل من الصعب على الجمهور التمييز بين المعلومات الدقيقة والمعلومات المضللة. لذلك، من الضروري تعزيز الوعي حول هذه الظاهرة وتطوير مهارات التفكير النقدي لدى الأفراد لمواجهة تأثيرات التحريف العلمي.
أسباب التحريف العلمي
أسباب التحريف العلمي قد تشمل:
• المصالح الاقتصادية: حيث قد تقوم الشركات بتشويه الحقائق العلمية لدعم منتجاتها أو خدماتها.
• الأجندات السياسية: حيث يمكن أن يتم تحريف الحقائق العلمية لدعم سياسات أو قرارات حكومية معينة.
• الضغط الاجتماعي: حيث يمكن أن يؤدي الضغط من المجتمع أو الجماعات المؤثرة إلى تحريف الحقائق العلمية.
من المهم أن يكون الأفراد واعين لهذه الممارسات وأن يسعوا للحصول على المعلومات من مصادر موثوقة ومتنوعة لضمان دقة المعلومات التي يعتمدون عليها في حياتهم اليومية.
ما هي تأثيرات التحريف العلمي على السياسات العامة؟
التحريف العلمي له تأثيرات عميقة على السياسات العامة، ويمكن تلخيص هذه التأثيرات في عدة مجالات رئيسية:
• الصحة العامة: التحريف العلمي حول لقاحات كوفيد-19، حيث انتشرت معلومات مضللة أدت إلى تردد كبير في تلقي اللقاح. هذا التردد أثر سلبًا على جهود السيطرة على الوباء، مما أدى إلى زيادة عدد الإصابات والوفيات.
• التغير المناخي: إنكار التغير المناخي لا يزال يمثل تحديًا كبيرًا. المعلومات المضللة التي تنشرها بعض الجماعات تؤثر على السياسات البيئية، مما يؤدي إلى تأخير اتخاذ إجراءات فعالة لمواجهة التغير المناخي. هذا التأخير يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأزمات البيئية.
• التكنولوجيا والأغذية المعدلة وراثيًا: المعلومات المضللة حول الأغذية المعدلة وراثيًا تؤدي إلى قلق عام وتردد في قبول هذه التكنولوجيا. هذا القلق يؤثر على السياسات الزراعية والغذائية، مما قد يعيق الابتكار ويؤثر سلبًا على الأمن الغذائي.
• التعليم: التحريف العلمي يمكن أن يؤثر أيضًا على المناهج التعليمية. إذا تم تضمين معلومات مضللة في التعليم، فإن ذلك سيؤدي إلى جيل من الطلاب غير قادرين على التفكير النقدي أو فهم الأسس العلمية.
تظهر هذه التأثيرات كيف يمكن للتحريف العلمي أن يؤدي إلى اتخاذ قرارات سياسية غير مستندة إلى الأدلة، مما يؤثر بشكل مباشر على المجتمع والبيئة.
كيف يمكن مواجهة التحريف العلمي في العصر الحديث؟
لمواجهة التحريف العلمي في العصر الحديث، يمكن اتباع مجموعة من الاستراتيجيات التي تشمل:
• تعزيز التعليم العلمي: يجب أن يكون هناك تركيز أكبر على تعليم العلوم بشكل شامل في المدارس والجامعات. يتضمن ذلك تعليم الطلاب كيفية التفكير النقدي وفهم المنهج العلمي، مما يساعدهم على التمييز بين المعلومات الدقيقة والمعلومات المضللة.
• استخدام التكنولوجيا: يمكن استخدام التكنولوجيا لمكافحة المعلومات المضللة. على سبيل المثال، تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي التي تساعد في تحديد الأخبار الكاذبة أو المعلومات المضللة على الإنترنت. كما يمكن استخدام منصات التواصل الاجتماعي لنشر الحقائق العلمية بشكل فعال.
• التوعية العامة: من الضروري زيادة الوعي العام حول التحريف العلمي وأثره. يمكن تحقيق ذلك من خلال حملات توعية وورش عمل تهدف إلى تعليم الجمهور كيفية التحقق من المعلومات وفهم الأسس العلمية.
• التعاون بين المؤسسات: يجب أن تتعاون المؤسسات العلمية، الحكومية، والإعلامية لمواجهة التحريف العلمي. يمكن أن تشمل هذه التعاونات تنظيم مؤتمرات وندوات لمناقشة القضايا العلمية وتقديم معلومات دقيقة للجمهور.
• تطوير السياسات العامة: ينبغي أن تكون هناك سياسات حكومية تدعم الشفافية والمساءلة في نشر المعلومات العلمية. يمكن أن تشمل هذه السياسات تشجيع الأبحاث المستقلة وتوفير التمويل للمشاريع التي تهدف إلى تعزيز الفهم العلمي.
إن فهم ظاهرة التحريف العلمي والتلاعب بالحقائق هو أمر ضروري لمواجهة التحديات المعاصرة وتعزيز ثقافة علمية مبنية على النزاهة والشفافية. يتطلب الأمر جهوداً جماعية من المجتمع، الأكاديميين، والهيئات التنظيمية لضمان تقديم المعلومات العلمية بدقة وموضوعية. وتتطلب مواجهة التحريف العلمي جهودًا مستمرة وتعاونًا بين مختلف القطاعات لضمان توفير معلومات دقيقة وموثوقة للجمهور.
ما هي استراتيجيات تعزيز التعليم العلمي لمواجهة التحريف العلمي؟
لمواجهة التحريف العلمي وتعزيز التعليم العلمي، يمكن اتباع عدة استراتيجيات فعالة:
• تعليم التفكير النقدي: يجب أن يتضمن التعليم العلمي تعليم الطلاب كيفية التفكير النقدي وتحليل المعلومات. هذا يساعدهم على التمييز بين الحقائق العلمية والمعلومات المضللة.
• تطوير المناهج الدراسية: ينبغي تحديث المناهج الدراسية لتشمل موضوعات تتعلق بالتحريف العلمي وكيفية التعرف عليه. يمكن أن تشمل هذه الموضوعات دراسات حالة حول أمثلة حديثة للتحريف العلمي.
• استخدام التكنولوجيا: يمكن استخدام أدوات التكنولوجيا مثل التطبيقات التعليمية والمواقع الإلكترونية التي تقدم معلومات موثوقة. كما يمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الحقائق العلمية بطريقة جذابة.
• ورش العمل والندوات: تنظيم ورش عمل وندوات للمعلمين والطلاب لتعزيز الوعي حول التحريف العلمي وأثره. هذه الفعاليات يمكن أن توفر منصة لتبادل الأفكار والتجارب.
• التعاون مع المؤسسات العلمية: يجب أن تتعاون المدارس والجامعات مع المؤسسات العلمية لتوفير موارد تعليمية ودعم الأبحاث التي تعزز الفهم العلمي.
• حملات التوعية العامة: إطلاق حملات توعية تستهدف المجتمع بشكل عام لزيادة الوعي حول أهمية التعليم العلمي وكيفية التحقق من المعلومات.
تتطلب هذه الاستراتيجيات جهودًا مستمرة وتعاونًا بين مختلف القطاعات لضمان توفير معلومات دقيقة وموثوقة للجمهور.
ما هي الأمثلة الناجحة على تطبيق هذه الاستراتيجيات؟
في السنوات الأخيرة، تم تنفيذ العديد من المبادرات الناجحة لمواجهة التحريف العلمي، والتي يمكن أن تُعتبر أمثلة على تطبيق الاستراتيجيات المذكورة. إليك بعض هذه الأمثلة:
• مبادرات “التحقق من الحقائق “تم إطلاق العديد من المنصات التي تركز على التحقق من المعلومات، مثل “FactCheck.org”، وتعمل هذه المنصات على تحليل الأخبار والمعلومات المتداولة وتقديم تقييمات دقيقة حول صحتها.
• حملات التوعية حول لقاحات كوفيد-19: خلال جائحة كوفيد-19، قامت العديد من المنظمات الصحية العالمية والمحلية بإطلاق حملات توعية تهدف إلى تصحيح المعلومات المضللة حول اللقاحات. استخدمت هذه الحملات وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلانات، وورش العمل لتثقيف الجمهور حول فوائد اللقاح.
• برامج التعليم العلمي في المدارس: تم تطوير برامج تعليمية في بعض الدول لتعزيز التفكير النقدي بين الطلاب. تشمل هذه البرامج دروسًا حول كيفية التعرف على المعلومات المضللة وكيفية استخدام المنهج العلمي.
• التعاون بين المؤسسات العلمية والإعلامية: في بعض البلدان، تم إنشاء شراكات بين المؤسسات العلمية ووسائل الإعلام لتوفير معلومات دقيقة للجمهور. هذه الشراكات تساعد في نشر الحقائق العلمية وتوضيح المفاهيم الخاطئة.
تظهر هذه الأمثلة كيف يمكن أن تكون الاستراتيجيات فعالة في مواجهة التحريف العلمي وتعزيز الفهم العام للعلم.
ما هي الأدوات التكنولوجية المستخدمة في مواجهة التحريف العلمي؟
تتعدد الأدوات التكنولوجية المستخدمة في مواجهة التحريف العلمي، ومن أبرزها:
• أدوات التحقق من الحقائق: تشمل المنصات التي تعمل على تحليل الأخبار والمعلومات المتداولة وتقديم تقييمات دقيقة حول صحتها.
• الذكاء الاصطناعي: يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتطوير أدوات تساعد في تحديد الأخبار الكاذبة أو المعلومات المضللة على الإنترنت. هذه الأدوات يمكن أن تتضمن خوارزميات لتحليل النصوص واكتشاف الأنماط الشائعة في المعلومات المضللة.
• التطبيقات التعليمية: هناك تطبيقات مصممة لتعزيز التفكير النقدي بين المستخدمين، حيث تقدم معلومات موثوقة وتساعد الأفراد على التعرف على المعلومات المضللة.
• منصات التواصل الاجتماعي: تستخدم هذه المنصات لنشر الحقائق العلمية بشكل فعال، حيث يمكن للعلماء والباحثين التواصل مباشرة مع الجمهور وتقديم معلومات دقيقة.
• ورش العمل والندوات عبر الإنترنت: تُستخدم هذه الفعاليات لتثقيف الجمهور حول كيفية التعرف على المعلومات المضللة وكيفية التحقق من الحقائق.
تساعد هذه الأدوات في تعزيز الوعي العام وتوفير معلومات دقيقة، مما يسهم في تقليل تأثير التحريف العلمي.
في ختام هذا الاستعراض حول التحريف العلمي، يتضح أن هذه الظاهرة تمثل تحديًا حقيقيًا يواجه المجتمعات في عصر المعلومات. إن تأثير التحريف على الفهم العام للعلم يمكن أن يكون عميقاً، حيث يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مستندة إلى الأدلة ويعزز من فقدان الثقة في المؤسسات العلمية. من خلال الأمثلة التاريخية والحديثة، يتبين لنا كيف يمكن أن تكون المعلومات المضللة سلاحًا ذو حدين، يؤثر سلبًا على الصحة العامة والسياسات البيئية والاجتماعية. ومع ذلك، فإن مواجهة هذا التحدي ليست مستحيلة. من خلال تعزيز التفكير النقدي، وتعليم مهارات التحقق من المعلومات، وتطوير شراكات فعالة بين المؤسسات العلمية والإعلامية، يمكننا بناء مجتمع أكثر وعيًا وقدرة على التمييز بين الحقائق والأكاذيب. إن الوعي العام بأهمية الأدلة العلمية وطرق تقييمها هو السبيل نحو تحقيق مجتمع مستنير وقادر على مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية. لذا، يجب علينا جميعًا أن نكون جزءًا من هذه الجهود، من خلال نشر المعرفة وتعزيز الحوار البناء حول العلم. فالتصدي للتحريف العلمي هو مسؤولية جماعية تتطلب تعاون الأفراد والمؤسسات لتحقيق عالم أفضل قائم على الحقائق والشفافية.
المصادر:
1. البحث العلمي – تعريفه وأشكاله ومناهجه وخصائصه.
2. بين المعلومات الخاطئة والمعلومات المضللة، أين الحقيقة؟
3. تصفية الحقائق من الأكاذيب: دليلك لكشف الأخبار المضللة ومكافحتها.
4. تصفية الحقائق من الأكاذيب: دليلك لكشف الأخبار المضللة ومكافحتها.
5. التضليل الإعلامي والصحة العامة.
6. تعريف البحث العلمي وأنواعه.
7. تعريف البحث العلمي وأهميته وأهدافه وخصائصه.
8. دليلك الشامل لفهم خطوات البحث العلمي بسهولة.
9. رحلة في عالم التحريف العلمي (1).
10. رحلة في عالم التحريف العلمي (2).
11. كيف تميز الأخبار الصحية المضللة التي تقرأها على الإنترنت؟
12. المعلومات الصحية الخاطئة – كيف يمكن تمييزها.
13. مفهوم البحث العلمي وأنواعه وأهدافه.
14. مفهوم التحريف (دراسة في تأصيل المصطلح).
15. منهجية البحث العلمي وتقنياته في العلوم الاجتماعية.
16. دور المؤسسات التربوية في تنمية الأمن الفكري ضد الأفكار المتطرفة في ضوء تحديات العصر.
د. طارق قابيل
– أكاديمي، خبير التقنية الحيوية، كاتب ومحرر ومترجم علمي، ومستشار في الصحافة العلمية والتواصل العلمي
– عضو هيئة التدريس بقسم التقنية الحيوية – كلية العلوم – جامعة القاهرة
– الباحث الرئيسي لمشروع خارطة طريق “مستقبل التواصل العلمي في مصر ودوره في الاعلام العلمي”، أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مصر.
– مقرر لجنة الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية والثقافة العلمية والدراسات الاستراتيجية ومؤشرات العلوم والتكنولوجي، وزميل أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي – مصر.
– عضو المجموعة الاستشارية العربية للعلوم والتكنولوجيا، التابعة للمكتب الإقليمي للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث للدول العربية.
https://orcid.org/0000-0002-2213-8911
http://scholar.cu.edu.eg/tkapiel
tkapiel@sci.cu.edu.eg