شبكة بيئة ابوظبي، بقلم د. حسام حاضري مستشار التطوير الاستراتيجي واستشراف المستقبل، 24 نوفمبر 2024
لا شك أنّ تحديدَ الأسس والمعايير وطريقةِ العمل فيصلٌ في النجاح وقياس فاعلية الأداء، إلا أنهُ قد يحدُّ في بعض الأحيان من القدرات الإبداعية غير التقليدية لدى البعض نتيجة الاصطدام بمحدداتٍ ملزمةٍ للمضي في مسار معينٍ مرسومٍ مسبقاً بجميع أركانه وتفرعاته. فيغدو أشبه بمن يذهبُ إلى المتجر لشراءِ اللباس الذي يُناسبُ مقاسهُ دون أن يكون له أيُ دورٍ في شكل التصميم أو طريقته.
لم تعد الإدارةُ الناجحةُ في عالم الأعمال الحديث تقتصرُ على المهام الواضحة والإجراءاتِ التقليدية، بل تمتدُّ إلى استكشاف الجوانب غير المرئية من الأدوار والأنشطة التي يقومُ بها الموظفون خارج نطاق مسؤولياتهم الرسمية، وتسهمُ بشكلٍ غير مباشر في تحقيق أهدافِ المؤسسة عبرَ استراتيجيةٍ احترافيةٍ تُدعى “إدارة الظل الوظيفي” وتختصُّ بإطلاق العنان للإمكاناتِ الكامنة واستثمار الموارد البشرية بأعلى كفاءة. فما أسرارُ هذا الفن الإداري؟ وكيف يمكنُ للمؤسسات توجيهَ هذه الظلال لتعزيز الابتكار والتكامل بين الفريق؟
يُعرّفُ الظلُ الوظيفي بأنهُ مجموعةٌ من الأنشطة والمهام التي تُنفذُ خارج الهيكل الرسمي للمؤسسة بسبب الحاجة إلى الإنجاز السريع، والبحثِ عن حلولٍ بديلةٍ ومرنةٍ، وتحسينِ الاستجابة للتحديات الفورية، والتكيفِ مع التغيرات.
وللظل الوظيفي فوائدُ عديدةٌ تتمثلُ في تحسين الكفاءة التشغيلية من خلال نقلِ المهارات والخبرات بين الأفراد، وتقليلِ الفجوات المعرفية بين الإدارات المختلفة، بالإضافة إلى تعزيز التواصل بين الموظفين، مما يؤدي إلى تعاونٍ أكبرَ ويقللُ من الانعزالية، كما أنهُ يدعمُ مبادرات التدريب الداخلي وتطوير المواهب.
ونتيجة للتطور التكنولوجي المتسارع باتت التوجهاتُ الحديثةُ لإدارة الظل الوظيفي تُركزُّ على الابتكار الرقمي والاستفادةِ من تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز لخلق تجاربَ ظلٍ وظيفي افتراضية، حيثُ يمكنُ للموظفين مراقبة أدوارٍ معينةٍ والتفاعل مع بيئات عملٍ تُحاكي الواقعَ دون الحاجة إلى الحضور الفعلي. كما أصبح هناك توجهٌ لتكييف برامج الظل الوظيفي مع الأهداف الفردية للموظفين، حيثُ يتمُّ تصميم التجربة وفقًاً لمهاراتهم الحالية وطموحاتهم المهنية مما يُعززُ من ارتباطهم به ويزيدُ من فاعليتهم في تطويره.
وقد بدأت المؤسساتُ الحديثةُ تُركزُ على دمج الظل الوظيفي في استراتيجيات التوجيهِ القيادي ليتمَّ إشراك قادة المستقبل في برامجَ تُتيحُ لهم استكشافَ تحديات القيادة والمهارات المطلوبة لاتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تُعززُ قدرتهم على تولي الأدوار القيادية بفاعلية.
وخلاصةُ القول: إنّ إدارةَ الظل الوظيفي هي المفتاحُ السحريُّ لتحويل الأدوار التقليدية إلى تجاربَ ملهمةٍ تنبضُ بالإبداع والشغف. بل هي جسرٌ يربطُ بين طموحاتِ الموظفين وأهداف المؤسسات، مما يجعلُ الجميع شركاء في النجاح. ويتحوّلُ الظلُّ الوظيفي من أداةٍ إداريةٍ إلى قصةِ نجاحٍ تُعيدُ تعريفَ مفاهيم القيادة والتطوير في العصر الحديث.