شبكة بيئة ابوظبي، مكتب الأمم المتحدة، بيروت، لبنان، 18 ديسمبر 2021
إنّ منع الفساد ومقاومته هو أمر ضروريّ للخروج من هذه الأزمة بشكل أقوى، وبمزيد من الشفافيّة والمسؤوليّة وبمرونة أكبر.
لقد شكّلت جائحة الكوفيد-19 حالة طوارئ غير مسبوقة بالنّسبة للمجتمع الدّولي كما أنّها أثّرت على كلّ جانب من جوانب المجتمع تقريبا وأتاحت بذلك إلى اختلاق فرص لازدهار الفساد.
قامت الحكومات بتخصيص موارد هائلة للإستجابة لهذا الوباء وللتحديات الإقتصاديّة الناتجة عنه على الرّغم من أنّه كان عليها العمل بسرعة في ظلّ هذه الأزمة المستجدّة. فيحتّم على الدوّل الأعضاء اتّخاذ إجراءات سريعة لمكافحة الفساد والخروج أقوى وأكثر مرونة من جائحة الكوفيد – 19 نظرا لازدهار الفساد في مثل أوقات الطوارئ الطبيّة والإقتصاديّة هذه حيث يعمّ الإرتباك وتنتشر الفوضى.
كان وقع الوباء على القطاع الصحي هائلا جدّا. فقد ارتفع الطّلب على المعدّات والإمدادات وشرائها وتوزيعها بشكل كبير جدّا. وبالتوازي، فقد ازدادت فرص الفساد مستهدفة المشتريات العامة والأموال التحفيزيّة. وقد تسبّب النّقص في التّجهيزات والمعدّات الطبيّة إلى جانب سلاسل الإمدادات الطّويلة والمعقّدة بمنافسة شديدة بين المشترين الّذين يحتاجون إلى سدّ فجوات العرض في حين قد يزيد المورّدون التّكاليف لزيادة الأرباح. قد تؤدّي عدم الرّقابة والشّفافيّة والمساءلة في هذه العمليّات في قطاع الصحة العامّة إلى توفير فرص لتحويل الموارد والأرباح. فعمليّات الشّراء البطيئة واللامركزيّة غير المصحوبة بضمانات كافية لمكافحة الفساد ستؤدّي إلى اختلاس الأموال، وعدم الإمتثال إلى قوانين الشراء، وبيع المنتجات دون المستوى أو المزيّفة، وستفسح المجال للرّشاوى والتّواطؤ.
لقد استغلّت الجماعات الإجراميّة المنظّمة الوباء بهدف تحقيق أرباح ماليّة، وذلك من خلال بيع المنتجات الطبيّة المزيّفة أو معدّات الإختبار أو حتّى من خلال المخدّرات الّتي حصلوا عليها بطريقة غير مشروعة. أمّا فيما يتعلّق بالفساد في القطاع الخاصّ، فكان له أيضا تأثير خطير على عمليّة التعافي من الكوفيد-19 وتسبّب بتقويض إجراءات المساعدة والتعافي من الكوفيد-19.
لم يسئ الفساد فقط إلى الجهود المبذولة للتّعافي من الوباء بل أضعف أيضا ثقة الناس في الدّيموقراطيّة والمؤسّسات. فالفساد يؤدّي إلى عدم الإستقرار ونشوء النّزاعات، كما أنّه يقلّص من حقوق الإنسان، ويضرّ بشكل كبير الفئات المهمّشة والضّعيفة، بما في ذلك النّساء والأطفال.
أمّا مخاطر الفساد والإستغلال فقد زادت مع التطوّر السريع للقاحات. فالسّباق لتصنيع، وتخصيص وتوزيع لقاح فعّال فضلاً عن اختبارات فيروس الكوفيد-19 والأجسام المضادة يعد بإحراز أرباح هائلة، الأمر الّذي يزيد من مخاطر الفساد. للصّناعة الفاسدة أو المسؤولين الرّسميّين القدرة على استعمال معارفهم الشخصيّة للإستفادة من الموافقة على لقاح معيّن.
إنّ الفساد الّذي انتشر في عمليّات الإنفاق خلال جائحة الكوفيد-19 اتّخذ أشكالا مختلفة، مثل الإختلاس، والمعاملة التّفضيليّة، والمدفوعات الزّائدة غير المسجّلة أو حتّى المتاجرة عبر استعمال النّفوذ. قد تكون العواقب وخيمة لمن هم خارج هذه الشبكات الداخليّة، والّتي غالبا ما تتألّف من الذّكور فقط. فيواجه النساء والشباب ومن لهم امتيازات أقلّ خسارة الدّخل، والفرص، والتّعليم والوظائف.
التّأثير على أهداف التّنمية المستدامة
إنّ الوقوف ضدّ الفساد ومنعه يفتح المجال لتحقيق تقدّم نحو أهداف التنمية المستدامة. فهذا الأمر يساعد على حماية كوكبنا، وخلق فرص عمل، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتأمين وصول أوسع للخدمات الأساسيّة مثل الصحة والتعليم. إنّ الفساد يؤذي عمليّة الإستجابة للأزمات والتّعافي منها كما وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
إنّ الحاجة إلى معالجة الفساد وأضراره بشكل فعّال متجذّرة في الهدف 16 – السّلام والعدل والمؤسّسات القويّة – وهي ضروريّة لتحقيق جميع الأهداف الـ 17. يشكّل الفساد عائقا أمام تحقيق التطوّر الإقتصادي ويمكن أن يشجّع على عدم الاستقرار السياسي، كما أنّه يقلّص من حقوق الإنسان، ويزيد من عدم المساواة ويعيق المساواة بين الجنسين.
ما هي التّدابير الّذي اتّخذها مكتب الأمم المتّحدة المعني بالمخدّرات والجريمة حيال ذلك؟
يعدّ مكتب الأمم المتّحدة المعني بالمخدّرات والجريمة (UNODC) شريكا رئيسيّا للدّول الأعضاء حيث يقوم في تعزيز التعاون الدّولي لمنع الفساد ومحاربته وتمكين التعافي من جائحة الكوفيد-19. في إطار إتّفاقيّة الأمم المتّحدة لمكافحة الفساد (UNCAC )، يقدّم المكتب المساعدة التقنيّة، ويطوّر ويبتكر حلولا لمنع الفساد، كما ويساعد الدّول الأعضاء في التصدّي بشكل فعّال لمختلف أنواع الفساد.
منذ أن بدأت أزمة الكوفيد-19، نشر مكتب الأمم المتّحدة المعني بالمخدّرات والجريمة سلسلة من أوراق السياسات لمواجهة التحديات واقتراح توصيات للإستجابة الفوريّة وطويلة الأجل لوباء الكوفيد-19.
يحلّل “ملخّص مجموعة الممارسات الجيّدة لمجموعة العشرين بشأن مكافحة الفساد في الإستجابة للكوفيد-19 ” نتائج الدراسة الخاصّة بمجموعة العشرين حول مخاطر الفساد الرّئيسيّة والّتي لوحظت خلال فترة الوباء. كما ويناقش الممارسات والأساليب الجيّدة الّتي تطبّقها الدّول للحدّ من تحدّيات الفساد.
تحدّد ورقة بعنوان: ” لقاحات الكوفيد-19 ومخاطر الفساد: منع إنتشار الفساد في تصنيع وتخصيص وتوزيع اللّقاحات ” الطّرق والأساليب لتحديد الفساد والتخفيف من حدّته وكيف يمكن للحكومات زيادة نسبة استعدادها لمواجهة الأزمات المستقبليّة المحتملة.
تفصّل ورقة ” المساءلة والوقاية من الفساد ” الإستجابات السياسيّة المختلفة الّتي يمكن للدّول الأعضاء اتّخاذها على الفور لمكافحة الفساد بالإضافة إلى الجوانب الّتي يجب أخذها بعين الإعتبار لمنع انتشار الفساد خلال الوباء.
ما هي الخطوات الّتي يجب اتّباعها؟
تعطي منظومة الأمم المتّحدة الأولويّة لمحاربة الفساد من خلال أسلوب ” أمم متّحدة واحدة ” بهدف دعم جهود المجتمع الدّولي.
إنّ فرقة العمل العالميّة المعنيّة بالفساد والتابعة للأمم المتّحدة والّتي يتشارك في إدارتها مكتب الأمم المتّحدة المعني بالمخدّرات والجريمة (UNODC) قد قدّمت ورقة بعنوان ” الفساد والكوفيد-19: التحدّيات في الإستجابة للأزمات والتّعافي منها”. فهذه ورقة السياسة الّتي تشمل منظومة الأمم المتّحدة على مستوى واسع تحدّد مجموعة من الإستجابات السياسيّة المحتملة والإجراءات الحسيّة الّتي قد تتّخذها الدّول الأعضاء للتعافي والإستجابة بشكل أفضل للكوفيد-19 وحالات الطوارئ المستقبليّة، بما في ذلك الإعتبارات المتنوّعة لمنع انتشار الفساد خلال فترة الوباء.
أثناء الإستجابة لحالات الطوارئ والتعافي من الكوفيد-19، على الدّول الأعضاء أن تظلّ مسؤولة وتسأل عن كيفيّة إنفاق مواردها، بما في ذلك الإمتثال للمعايير والكفاءة في التّسليم. كما أنّه يجب تعزيز المؤسّسات المسؤولة عن المشتريات. يجب تقديم أيضا المبادئ التوجيهيّة فيما يتعلّق بالنزاهة في الشراكات بين القطاعين العام والخاصّ، مع التشديد على أهميّة اعتماد الشركات الخاصّة تدابير النزاهة والشفافيّة وتعزيزها.
يجب إنشاء قنوات تبليغ آمنة للأشخاص المبلّغين عن المخالفات وذلك لمكافحة الفساد والسماح للأشخاص بالتبليغ عن أعمال الفساد بسهولة وبطريقة مجهولة. يمكن لهذه القنوات أيضا أن ترفع نسبة الوعي بسوء الإدارة المستترة وتخفّض من نسبة الهدر والفساد.
في عالم أفقرته الأزمة، يسرق الفساد موارد جدّ ثمينة في الوقت الّذي نكون فيه بأمسّ الحاجة إليها. فالبلدان المتطوّرة والنامية تحتاج إلى الإتّحاد مع بعضها البعض وقبول جائحة الكوفيد-19 واعتبارها مشكلة عالميّة بمسؤوليّات مشتركة. تعتبر معالجة مشكلة الفساد جزء لا يتجزّأ من عمليّة التعافي من الوباء لجميع البلدان.