“وجبة ….. إبداع وابتكار (8) استشراف المستقبل – “معوقات الدراسات المستقبلية ” (4)

شبكة بيئة ابوظبي: بقلم د. أنيس رزوق، مستشار تخطيط استراتيجية الجودة والتميز، مقيم معتمد في التميز المؤسسي (EFQM)، خبير استراتيجيات القوة الناعمة، خبير ادارة مركز اسعاد المتعاملين، (7 STAR)، خبير حوكمة معتمد، خبير تصميم سيناريوهات المستقبل 3 ابريل 2017

لاحقاً لما أوردناه سابقاً حول موضوع استشراف المستقبل، ولأهمية الموضوع بأن يصل للقارئ العربي لتعم الفائدة، سنتطرق في هذه المقالة عن معوقات الدراسات المستقبلية، وماهي الموضوعات التي تبحثها الدراسات المستقبلة ومعاييرها وشروطها وأسسها، حسب ما اعتمدته الجمعية الدولية للمستقبليات، ونورد بشكل وجيز التوجهات الكبرى التي تصنع المستقبل، ليتم التوسع بها بمقالات منفردة، من خلال الغوص في أعلام علم المستقبليات العربية والأجنبية.

أولاً : معوقات الدراسات المستقبلية:
على الرغم من مضي أكثر من خمسين عاماً على نشأة الدراسات المستقبلية، أو استشراف المستقبل، كعلم قائم بحد ذاته إلا أنه مازال في مرحلة التكوين ومرحلة التغيير والإعتماد من حيث الجانب النظري والجانب المنهجي، مما يولد تساؤلات ووقفات علمية تجعل منها إشكاليات تؤدي لذلك منها :

1. لا يمكن دراسة المستقبل لعدم وجوده وإنما يمكن دراسة أفكار المستقبل.

2. الإنتماء الإيديولوجي للباحث في الدراسات المستقبلية له أثر كبير في توجيه البحوث باتجاه ايديولوجيته.(1)

3. مازالت الدراسات المستقبلية متعلقة بشكل مباشر بالدولة ورجال السياسة.

4. ليس ثمة مستقبل واحد بل مستقبليات وهذه المستقبليات، التي تتراوح بين المحتمل والممكن والمرغوب، مشروطة بظروف وعوامل تاريخية مجتمعية وحضارية، وذلك يحيلنا إلى صعوبات جمة تتعلق بالتخمينات والإحتمالات.(2)

5. هناك صعوبة تكمن في التوافق بين الأخلاق المثالثة والأفكار المستقبلية التي تنتهج اليوم، فتلك الأخيرة تتعامل مع سياسة الدول العظمى ومصالحها التي تتسم بالبركماتية.(3)

6. النظر إلى المستقبل يؤدي إلى تشويشه، تماما كما أن النظر إلى الذرة يغيرها، والنظر إلى الإنسان يحوله، هذه مشكلة العلوم الإجتماعية والإنسانية عموماً.(4)

7. المستقبل في الفكر الديني يرتبط بالله، ومن غير الممكن تغيير القدر.

8. إن الإدارة الجماعية في مختلف مستوياتها تحد من إطلاقها قيود كثيرة مثل: حجم الموارد، العلاقات التي تقوم على أساسها البنى الإجتماعية والسياسية والحضارية السائدة في المجتمع (القيد الداخلي أو الخارجي الوافد على المجتمع نتيجة علاقاته المتعددة).(5)

ثانياً : التوجهات الكبرى التي تصنع المستقبل:
وقد أورد (كورنيش) أن هناك تيارات التغير أو محركات أساسية للتحول العظيم تم إجمالها في ستة توجهات كبرى تصوغ شكل المستقبل، الأولى: التقدم التكنولوجي: هو القوة المحركة الأولى والكبرى للتغير والقوة الفائقة، والثانية النمو الإقتصادي، الثالثة: تحسين الصحة، الرابعة: الزيادة الحركة، الخامسة: التدهور البيئي، السادسة: الفقدان المتزايد للثقافات الشعبية، (سيتم التطرق إليها لاحقاً بشكل مفصل).

ثالثاً : الموضوعات التي تبحثها الدراسات المستقبلية:
بوصف الدراسات المستقبلية علم قائم بحد ذاته من حيث الموضوعية والمنهجية، فإن غاية المهتمين بالدراسات المستقبلية تنصب على الإهتمام بالإنسان والعالم، وكل ما يتفرع عن هذين المفهومين إنما هو تفريغ ليس إلا، ويمكن القول إن الموضوعات التي يهتم بها المختصون بالفكر المستقبلي يتعلق قسم منها في:

1. الإنسان والمجتمع، مثل أزمة الفقر والإنفجار السكاني والوباء الجماعي والتغييرات الإجتماعية وتشغيل المرأة وتشغيل الأحداث وتغيير أنماط الثقافة.

2. السياسية، ومن ذلك العولمة، الحروب، نهاية التاريخ، العلاقات بين البلدان، خطط الحروب، تأثير الحروب المستقبلية، مستقبل الدول.

3. البيئة، ومن ذلك، التغير المناحي، الكوارث الطبيعية، التلوث البيئي، بدائل البيئة، البحث عن الطاقة النظيفة.

4. الإقتصاد، مثل مصادر الطاقة، التنمية المستدامة، الإستدامة، الإزمات الإقتصادية العالمية، بدائل الغذاء الفقر، الجوع.

5. العلوم، ومنها تقنيات الإتصال، تقنيات الأنترنيت، تقنيات الجينيات، تقنيات استكشاف الفضاء، تقنية النانو …. وغيرها.

رابعاً : مهام الدراسات المستقبلية :
قدم (ويتدل بيل) أحد أعلام الدراسات المستقبلية المهام التي ينشغل بها حقل الدراسات المستقبلية، وهي “اكتشاف أو إبتكار، فحص وتقييم، وإقتراح مستقبلات ممكنة أو محتملة أو مفضلة“، وقد ذكر تسعة مهام محددة للدراسات المستقبلية وهي:(6)

1. اعمال الفكر والخيال في دراسة مستقبلات ممكنة، وسواء كان إحتمال وقوعها كبيرا أو صغيراً.

2. دراسة مستقبلات محتملة، ويعني التركيز في فحص وتقييم المستقبلات الأكبر إحتمالاً للحدوث خلال أفق زمني معلوم، وفق شروط محددة (مثلاً بإفتراض استمرار التوجهات الحالية للنظام الإجتماعي، السياسي، أو بإفتراض تغييره نحو أو آخر)، وغالباً ما تسفر هذه الدراسة عن سيناريوهات متعددة.

3. دراسة صور المستقبل، أي البحث في طبيعة الأوضاع المستقبلية المتخيلة وتحليل محتواها، ودراسة أسبابها وتقييم نتائجها، وذلك بإعتبار تصورات الناس حول المستقبل تؤثر فيما يتخذونه من قرارات في الوقت الحاضر، سواء من أجل التكيف مع تلك التصوارت عندما تقع، أو من أجل تحويل التصورات إلى واقع.

4. دراسة الأسس المعرفية للدراسات المستقبلية، أي تقديم فلسفي للمعرفة التي تنتجها الدراسات المستقبلية، والإجتهاد في تطوير مناهج وأدوات البحث في المستقبل.

5. دراسة الأسس الأخلاقية للدراسات المستقبلية، وهذه أمر متصل بالجانب الإستهدافي للدراسات المستقبلية، ألا وهو استطلاع المستقبل أو المستقبلات المرغوب بها، إذ أن تحديد المرغوب فيه يستند بالضرورة إلى أفكار الناس عن (معنى الحياة) وعن (المجتمع الجيد)، وعن (العدل) وغير ذلك من المفاهيم الأخلاقية والقيم الإنسانية.

6. تفسير الماضي وتوجيه الحاضر، فالماضي له تأثير في الحاضر وفي المستقبل، والكثير من الأمور تتوقف على كيفية قراءة وإعادة وإعادة قراءة الماضي، كما أن النسبة الكبرى من دارسي المستقبل يعدون أن أحد أغراضهم الأساسية هو تغيير الحاضر وما يتخذ فيه من قرارات وتصرفات لها تأثيرها في تشكيل المستقبل.

7. إحداث التكامل بين المعارف المتنوعة والقيم المختلفة من أجل حسن تصميم الفعل الإجتماعي، وذلك أن معظم المعارف التي يستخدمها دارسو المستقبل من أجل التوصية بقرار أو تصرف ما هي معارف تنتمي إلى علوم ومجالات بحث متعددة لها خبراؤها والمتخصصون فيها، ولذلك يطلق على الدراسات المستقبلية الدراسات التكاملية أو الدراسات العابرة للتخصصات.

8. زيادة المشاركة الديمقراطية في تصور وتصميم المستقبل، أو مفرطة التفكير المستقبلي والتصرفات ذات التوجهات المستقبلية، وإفساح المجال للعموم للإشتراك في اقتراح وتقييم الصور البديلة للمستقبل الذي سيؤثر في حياتهم وحياة خلفهم.

9. تبني صور مسقبلية مفضلة والترويج لها، وذلك بوصفها خطوة ضرورية نحو تحويل هذه الصورة المستقبلية إلى واقع، ويتصل بذلك بين أفعال إجتماعية معينة من أجل قطع الطريق على الصور المستقبلية غير المرغوب فيها والحيلولة دون وقوعها.

أن هذه المهام ليست جميعا محل اتفاق بين دارسي المستقبل، ومن أكثر الأمور مدعاة للجدل الرسالة الاستهدافية للدراسات المستقبلية المتضمنة فى البحث عن مستقبلات ” مفضلة “، وفى تبنى صور مستقبلية ” مرغوب فيها ” والترويج لها، مع الانتباه إلى أنه ليس من المتعين على أى دراسة مستقبلية أن تنهض بهذه المهام التسع جميعاً، فلها أن تختار منها ما يناسبها فى ضوء تصور القائمين عليها لمهامها.

فالدراسة المستقبلية التى تجرى لشركة ما قد لا تتطلب النهوض بما ورد عن زيادة المشاركة الديمقراطية فى تصور وتصميم المستقبل، كما أن المهتمين بدراسة الأسس المعرفية والأخلاقية للدراسات المستقبلية قد يختص بهما فريق أو أكثر من دارسى المستقبليات، وليس حتماً أن ينشغل بهما كل من يكلف بإجراء دراسة مستقبلية لشركة أو إقليم أو بلد ما، يكفى أن ينهض به المعنيون بفلسفة علم المستقبليات ومناهجه، ولا يلزم أن يقوم به كل مشتغل بالدراسات المستقبلية.

خامساً : معايير وشروط وأسس الدراسات المستقبلية:
بعد أن اكتسبت الدراسات المستقبلية صفة العلم، فالضرورة أصبح استخدامه بالشكل المنهجي ضمن قواعد وأصول معتمدة، والدراسات المستقبلية تركز في دراسة الواقع الراهن وكيفية نشؤئه وتطوره التاريخي وتركز بشكل خاص على دراسة البنية والأنساق الفرعية والعلاقات والعمليات التي يتم من خلالها التغيير والتطوير في إطار النسق الكلي للمجتمع، وقد اعتمدت الجمعية الدولية للمستقبليات فيما يتعلق بالدراسات المستقبلية على أربعة معايير تعد من أهم الأسس وهي: (7)

1. ترتكز الدراسات المستقبلية على استخدام المناهج العلمية في دراسة الظواهر الخفية .

2. يجب أن تكون الدراسات المستقبلية شاملة، أشمل من حدود العلم، فهي تتضمن الجهود الفلسفية والفنية جنباً إلى جنب مع الجهود العلمية.

3. أنها تتعامل مع نطاق لبدائل النمو الممكنة، وليس مع اسقاط مفردة محددة للمستقبل.

4. أنها تلك الدراسات التي تتناول المستقبل في آماد زمنية تتراوح بين (5 -50) سنة.

إن الدراسات المستقلية تركز في دراسة الواقع الراهن وكيفية نشوئه وتطوره التاريخي وتركز بشكل خاص على دراسة البنى والأنساق الفرعية والعلاقات والعمليات التي يتم من خلالها التغيير والتطوير في إطار النسق الكلي للمجتمع، والأحداث التي تحدث في المستقبل هي في الواقع تغيرات تنتج عن تفاعل قوى ديناميكية مستمرة ، والتعرف إلى تلك القوى يسلزم طرح بعض الإفتراضات عن المستقبل ومنها الإقتراضات التالية: (8)

• لا شك أن التغيرات التي ستحصل في المستقبل مختلفة عن الماضي .
• كما أن التغيرات التي ستحصل في المستقبل سيكون من الصعب التنبؤ بها وستكون أسرع من قبل .
• إن التغيرات التي ستحصل في المستقبل يمكن معالجتها من خلال توفير المعلوما الدقيقة .
• التغيرات التي ستحصل في المستقبل يمكن معالجتها بأساليب موضوعية بعيدة عن التأثير الشخصي .
ويمكن اقول بأن هذه الأسئلة تمثل افتراضات لما يمكن أن يساعد على توضيح مناهج الدراسات المستقبلية ولأنها من جهة أخرى تفتح لنا أفقاً جديداً لتذليل الصعوبات المتعددة .

المراجع:
1. ضياء الدين زاهر ، مقدمة في الدراسات المستقبلية : مفاهيم ، أساليب ، تطبيقات، مركز الكتاب للنشر ، القاهرة 2004.
2. الدكتور قاسم محمد النعيمي ، المستقبل والإقتصاد في الدراسات المستقبلية ، مجلة كلية التجارة والإقتصاد ، جامعة صنعاء .
3. د. رحيم الساعدي ، المستقبل ، مقدمة في علم الدراسات المستقبلية ، الجزء الثاني، دار الفراهيدز، 2011
4. ضياء الدين زاهر ، مقدمة في الدراسات المستقبلية : مفاهيم ، أساليب ، تطبيقات، المصدر السابق.
5. الدكتور قاسم محمد النعيمي ، المستقبل والإقتصاد في الدراسات المستقبلية ، المصدر السابق.
6. د. ابراهيم العيسوي ، الدراسات المستقبلية ومشروع مصر 2020، 2000.
7. ضياء الدين زاهر ، مقدمة في الدراسات المستقبلية المصدر السابق.
8. فيله، فاروق وعبدالفتاح ، أحمد الذكي 2003 : الدراسات المستقبلية – منظور تربوي الطقعة الأولى ، دار المسيرة عمان – الأردن.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

“وجبة ….. إبداع وابتكار (61) ” نماذد الإبداع الجماعي في حل المشكلات – 22 “

شبكة بيئة ابوظبي: بقلم د. أنيس رزوق، مستشار تخطيط استراتيجية الجودة والتميز، مقيم معتمد في …