آفاق بيئية، كمال درويش، 13 اغسطس 2021
واشنطن، العاصمة ــ أقل من ثلاثة أشهر تفصلنا عن موعد انعقاد قمة الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP26) التي تستضيفها مدينة جلاسجو في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، والآن تجري المناقشات الرسمية وغير الرسمية والمفاوضات التمهيدية على قدم وساق. تدرك الإدارة الأميركية الجديدة مدى إلحاح الموقف، ولا يخلو الأمر من دعم سياسي أوسع نطاقا على مستوى العالم لسياسات مناخية طموحة. لا تزال الفرصة سانحة للعالم للحد من الانحباس الحراري الكوكبي بحيث لا يتجاوز ارتفاع درجات الحرارة الناجمة عنه درجتين مئويتين مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة.
ولكن كما يُـظـهِـر تقييم رئيسي جديد صادر عن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن السباق بين تغير المناخ وخفض الانبعاثات يظل متقاربا. الواقع أن الحد من الضرر الذي وقع بالفعل يتطلب استخدام كل الأدوات المتاحة والمشاركة العالمية الواسعة. ولكن كما يُـظـهِـر مقترحان حديثان متعلقان بتسعير الكربون، تظل فوارق مهمة قائمة بين الأساليب المختلفة للوصول إلى هذه الأهداف.
لم تسع قمة 2015 (COP21) التي استضافتها مدينة باريس إلى إبرام معاهدة دولية مُـلزِمة تفرض سياسات بعينها على الدول. وعلى هذا فقد سمح النهج المنصوص عليه في اتفاقية باريس للمناخ للدول بإعلان أهدافها الطوعية لخفض الانبعاثات ــ المساهمات المحددة وطنيا ــ وسياسات المناخ، على أساس تفاهم مفاده أنها ستصبح أكثر طموحا بمرور الوقت.
مع ذلك، يقترح الاتحاد الأوروبي الآن إنشاء آلية تعديل الحد الكربوني والتي تمثل خروجا عن الروح الطوعية التي اتسم بها اتفاق باريس. من المقرر أن تفرض الآلية الجديدة، وهي جزء من حزمة تدابير المناخ التي أُعـلِـن عنها في منتصف يوليو/تموز، ما يعادل التعريفات الجمركية على الواردات من بلدان حيث يدفع المنتجون سعرا للكربون أقل من نظيره في الاتحاد الأوربي، إما بشكل مباشر أو من خلال أنظمة مقايضة الانبعاثات.
على الرغم من أن الاقتراح التزم الصمت بشأن التدابير التنظيمية التي تخلف تأثيرا مُـعادلا، فمن المعقول أن نفترض أن الاتحاد الأوروبي سيكون منفتحا على قبولها إذا كانت طموحة بالقدر الكافي. سيكون هذا القبول مهما بشكل خاص لتجنب النزاع مع الولايات المتحدة، حيث من المرجح أن تظل الضوابط التنظيمية تشكل الجزء الأساسي من سياسات المناخ.
في البداية، ستغطي آلية تعديل الحد الكربوني التابعة للاتحاد الأوروبي الواردات من المنتجات البسيطة نسبيا ــ الكهرباء، والحديد، والصلب، والأسمنت، والألومنيوم، وبعض الأسمدة ــ لكنها ستمتد إلى سلع أخرى قد تنطوي على سلاسل قيمة أكثر تعقيدا بمرور الوقت. وسوف يكون لزاما على المستوردين شراء شهادات آلية تعديل الحد الكربوني (بما يعكس المحتوى الكربوني) التي ستكلف ما تكلفه تصاريح نظام مقايضة الانبعاثات المنتجين المحليين في الاتحاد الأوروبي، فتفرض فعليا بالتالي سعر الكربون الذي يحدده الاتحاد الأوروبي على المصدرين في البلدان الخاضعة لآلية تعديل الحد الكربوني.
ويطبق الاتحاد الأوروبي آلية تعديل الحد الكربوني بغض النظر عن نصيب الفرد في دخل الدولة المصدرة، ودون مراعاة للمبدأ المتفق عليه عموما في باريس والذي يقضي بأن البلدان النامية تحتاج إلى مزيد من الوقت لتبني أسعار كربون أعلى أو ما يعادلها. وهو يمضي قدما على الرغم من حقيقة مفادها أن معظم البلدان النامية لا تستطيع حشد التمويل المسبق الضخم اللازم للاستثمارات الخضراء الكبرى بسهولة.
يأتي اقتراح آخر حديث من كبار الموظفين في صندوق النقد الدولي، الذي يتوخى فرض حدود دنيا لأسعار الكربون الدولية تتباين حسب مستويات الدخل الوطني. ورغم أن مقدمي الاقتراح لا يضعون إطارا صريحا للحدود الدنيا لأسعار الكربون الدولية كبديل لآلية تعديل الحد الكربوني، فإنهم يزعمون أن الحد الأدنى المتفق عليه لأسعار الكربون ولكنه متفاوت من شأنه أن يخفف الضغوط التي تطالب بخطط التعديل الحدية وأن يكون أكثر انسجاما مع الروح الطوعية لاتفاقية باريس.
في البداية، من الممكن أن يتضمن ترتيب الحدود الدنيا لأسعار الكربون الدولية عددا قليلا من كبار مُـصـدِري الانبعاثات. على سبيل المثال، وفقا لصندوق النقد الدولي، إذا تمكن “نادي المناخ” الذي يتألف من ستة مشاركين فقط من الاتفاق على حد أدنى للأسعار يعادل 75 دولارا لكل طن من ثاني أكسيد الكربون في الولايات المتحدة، وكندا، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة باعتبارها من الدول المرتفعة الدخل، وخمسين دولارا لكل طن للصين باعتبارها دولة متوسطة الدخل، وخمسة وعشرين دولارا لكل طن للهند باعتبارها دولة ذات دخل متوسط أدنى، فإن هذا، بالإضافة إلى السياسات الحالية، “من الممكن أن يساعد في تحقيق خفض بنسبة 23% في الانبعاثات العالمية إلى ما دون خط الأساس بحلول عام 2030”.
على الرغم من أن آلية تعديل الحد الكربوني التابعة للاتحاد الأوروبي والحدود الدنيا لأسعار الكربون الدولية من الممكن أن يعملا معا بالتزامن، فإن الأولى تتطلب حساب كثافة الكربون لمنتجات بعينها. وعلى هذا، يظل لزاما على المصدرين من بلد عضو في اتفاقية الحدود الدنيا لأسعار الكربون الدولية الحصول على شهادات آلية تعديل الحد الكربوني، ما لم يقرر الاتحاد الأوروبي إعفاء هذه الدولة من مخطط تعديل الحدود على أساس حدود دنيا لأسعار الكربون الدولية “مرتفعة بالقدر الكافي”. لكن هذا من شأنه أن يثير قضايا شائكة في منظمة التجارة العالمية، لأنه قد ينطوي ضمنا على ضرائب حدود كربونية مختلفة، وبالتالي سياسات تجارية مختلفة باختلاف البلدان.
وربما يتسنى التفاوض على إعفاء “جديد” متعلق بالمناخ من آلية تعديل الحد الكربوني للبلدان المنخفضة الدخل في منظمة التجارة العالمية، لكن وضع حكم مماثل للبلدان المتوسطة الدخل مثل الصين أو الهند قد يواجه معارضة شديدة من الاقتصادات المتقدمة. مع ذلك، في غياب مثل هذا الإعفاء، ستستمر آلية تعديل الحد الكربوني التابعة للاتحاد الأوروبي (أو تدابير حدودية مماثلة من قِـبَـل جهات أخرى مثل الولايات المتحدة) في إثارة اعتراضات قوية من جانب البلدان المتوسطة الدخل والأقل دخلا، وقد تعرض للخطر أي اتفاق عالمي توافقي قد تتوصل إليه قمة جلاسجو.
في المقابل، يحظى النهج العام الذي يتبناه صندوق النقد الدولي بالفرصة لاكتساب دعم عالمي. إن ترتيب خاص بالحدود الدنيا لأسعار الكربون الدولية لن يواجه أي حواجز مرتبطة بمنظمة التجارة العالمية، لأنه لا يتضمن سياسات تجارية أو سياسات مرتبطة بالتجارة، وسيكون الانضمام إلى “النادي” طوعيا ومن الممكن أن يحدث في أوقات مختلفة.
لكن مثال الأعضاء الستة المذكور أعلاه هو مجرد مثال توضيحي ــ كما يقر صندوق النقد الدولي ــ ولا ينبغي لنا أن نسمح لبساطته بخداعنا. رغم أن مبدأ الحدود الدنيا لأسعار الكربون الدولية قد يكون جذابا في عموم الأمر، فسوف يظل لزاما علينا التفاوض بشأن أسعار محددة مرتبطة بالدخل أو سياسات معادلة.
على سبيل المثال، ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت الهند لتوافق على حد أدنى للسعر يعادل 25 دولارا لكل طن من ثاني أكسيد الكربون، أو ما إذا كان هذا السعر مقبولا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ورغم أن بعض البلدان قد تتبنى الحدود الدنيا لأسعار الكربون الدولية، فإنها يجب أن تُـفَـسَّـر بدلا من ذلك على أنها اختزال لمجموعة من سياسات المناخ حيث يتفاوت مستوى توقيت الطموح وفقا لمرحلة التنمية في كل بلد على حدة.
في نهاية المطاف، يتطلب التوصل إلى اتفاق شامل في جلاسجو أن تتقبل الاقتصادات المتقدمة الاختلافات الوطنية في الطموح المناخي. تشكل التزامات الصين ــ نظرا لمستوى انبعاثاتها وقدرتها التكنولوجية والاقتصادية ــ أهمية بالغة بطبيعة الحال للتوصل إلى اتفاق عالمي مُـرض.
مع استمرار الجدال حول تسعير الكربون، ربما تتصور البلدان الغنية أن تهديد آلية تعديل الحد الكربوني يمنحها نفوذا مفيدا. ولكن ينبغي لها أن تركز بشكل أكبر على المساعدة في تعبئة التمويل الذي تحتاج إليه معظم البلدان النامية لتحقيق التحول الأخضر. ومن المحتمل أن تكون هذه طريقة أكثر فعالية لتحويل التركيز نحو الفرص العظيمة الناشئة عن التكنولوجيات الجديدة وتحقيق الأهداف المناخية العالمية الحاسمة، مع الحفاظ في ذات الوقت على فرصة التوصل إلى اتفاق “يشمل البشرية بأسرها” في ما يتصل بهذا التحدي الكوكبي.
ترجمة: مايسة كامل
كمال درويش وزير الشؤون الاقتصادية السابق في تركيا، ومدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) سابقا، وهو كبير زملاء مؤسسة بروكنجز.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
المصدر: نقلاً عن موقع آفاق بيئية بالمغرب https://marocenv.com/15134.html