«المواهب العربية».. ضحية اليأس وغياب التخطيط!

“كأس العرب” يعيد فتح “الجرح الغائر”
أندية العرب “مقبرة الموهوب” واغتيال “الحلم الاوروبي”!
48.5 مليار دولار حجم سوق الانتقالات عالمياً والعرب يكتفون بـ “الفتات”
70 لاعباً في الدوريات الخمس الكبرى يكشفون ضعف “الدوريات العربية”
غياب الاستثمار يزيد “حالة الضياع” ويؤخر “انطلاقة الواعدين”
8000 نادٍ في العالم لا تمنح “العرب” الأولوية!
طلبت من عمري والفردان بعد “أولمبياد لندن” والخليج يهدر مواهبه
“العقلية الاحترافية” مشكلة “العربي” و “الفرعون المصري” حالة استثنائية
ذبح أكثر من 25 مليون “مشروع نجم” مع سبق الإصرار ودون رادع
نيجيريا وغانا تصدران 8450 للاعباً مقابل 200 من 10 دول عربية

انتهت كأس العرب التي أقيمت في الدوحة، التي حصد الجزائر لقبها، وتحولت البطولة إلى ما يشبه «مونديال مصغر»، وشاهد على موهبة اللاعب العربي التي أصبحت حبيسة «الوطن الكبير»، عبر رقعة جغرافية تمتد من المحيط إلى الخليج، في قارتي آسيا وأفريقيا وبمساحة تقدر بـ 14 مليون كيلو متر مربع، مع كثافة سكانية بلغت في آخر تعداد 430 مليون نسمة تقريباً.
كل تلك المقومات، ولا تزال الدول العربية، بعيدة تماماً عن التنافس في تخريج المواهب العالمية في كرة القدم، في الوقت الذي تتغنى فيه جماهير وعشاق الكرة الإنجليزية حول العالم بالمصري محمد صلاح لاعب ليفربول، ومعه عدد من نجوم ومواهب العرب في الدوريات العالمية الكبرى، يعدون على أصابع اليد الواحدة، مقابل مئات من اللاعبين اللاتينيين والأفارقة الذين يغزون ملاعب أوروبا ومختلف القارات.
صحيفة «الاتحاد» قررت فتح «الملف الشائك»، بعدما أثار «مونديال العرب» هموم الكرة العربية، ومشكلاتها المزمنة، وأثبت أنها تعاني غياب التخطيط السليم، والتكوين العلمي للمواهب، والاهتمام بتطوير قدرات الناشئين في المراحل السنية، ليتحول الوطن العربي المليء بالقدرات والطاقات، إلى أشبه بـ «مقبرة كبيرة» تغتال أحلام لاعبي كرة القدم في دولنا العربية، بسبب الإهمال الشديد وغياب ثقافة ومفاهيم الاحتراف مع عدم التأهيل البدني السليم، وفق خبراء استطلعنا آراءهم من مختلف القارات.
كشفت مصادر بالاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» أن حجم سوق الانتقالات للاعبين الأجانب خارج الحدود في كرة القدم بمختلف القارات، بلغ 48.5 مليار دولار في آخر 10 سنوات، والمفاجأة أن البرازيل تصدرت قائمة الدول الأكثر تصديراً للاعبين المحترفين لمختلف دوريات العالم، وتحديداً أوروبا، حيث خرج من «بلد السامبا» 15 ألف لاعب بعائدات مالية تصل إلى 7.1 مليار دولار بحسب رصد «الفيفا»، ما يعني أن تكوين وتأهيل المواهب أصبح تجارة رابحة في البرازيل ودول أميركا اللاتينية وأفريقيا، مقابل «ثبات عميق» ومبالغ قليلة للغاية تكاد تكون «فتات» تلك الأرقام، لدى الصفقات الخاصة بدولنا العربية الـ22، والتي وصفها الخبراء الذين استطلعنا آراءهم، أنها أسهمت في قتل المواهب، عن طريق قلة الاهتمام بتكوين المواهب بصورة صحيحة، وتأهيلها بأسلوب علمي، بجانب غياب ثقافة الاحتراف وروح التحدي التي يتميز بها اللاعبون الأفارقة واللاتينيين.

وبالعودة إلى باقي الأرقام نكتشف أنه من بين الدول الـ 30 حول العالم الأكثر تصديراً لمواهب كرة القدم، لا توجد أي دولة عربية، وإنما يدخل فقط ضمن «التوب 10»، دولتان أفريقيتان وهما غانا ونيجيريا التي تصدر إلى العالم وأوروبا، والسابع عالمياً بـ 3793 لاعباً، ورغم ذلك تعد الـ 15 عالمياً من حيث الدخل من بيع اللاعبين، بإجمالي 773 مليون دولار، في آخر 10سنوات، وهو ما يعكس ثقافة الأندية النيجيرية التي لا تغالي في طلباتها المادية، ويكون تصدير اللاعبين هدفها الأول.
وبالتالي تنجح تلك الفلسفة في دفع الأندية العالمية ووكلائها وكشافيها، بالبحث في وسط وغرب وشرق «القارة السمراء»، وإهمال الشمال الذي «يعج» بلاعبين عرب أكفاء، ولكن يعانون الكثير من المشكلات، كما تفضل أنديتهم المغالاة المالية في أسعارهم، وبالتالي تفشل خطوات انتقالهم عالمياً، ويغيب حضورهم في الملاعب العالمية، حيث يوجد حالياً 70 لاعباً عربياً فقط بالدوريات الأوروبية الخمس الكبرى، وإجمالاً خرج 1400 لاعب عربي للاحتراف في آخر 10 سنوات، ولم يظهر منهم إلا أسماء قليلة، يتصدرها محمد صلاح نجم ليفربول، رياض محرز مع مانشستر سيتي، وحكيم زياش لاعب تشيلسي، وأشرف حكيمي لاعب سان جيرمان.
وثاني الدول تصديراً للمواهب حول العالم فهي الأرجنتين التي صدرت في آخر 10 سنوات ما يصل إلى 7444 لاعباً، وحققت دخلاً بلغ 3.1 مليار دولار تقريباً، وتعد بريطانيا هي ثالث الدول تصديراً للمواهب بـ 5523 لاعباً أغلبهم ينتقل بين ويلز واسكتلندا، وليس خارج أوروبا، بينما حلت فرنسا رابعاً «5027 لاعباً»، وكولومبيا خامساً «4278 لاعباً»، وإسبانيا «3922 لاعباً» وضعتها في الترتيب السادس، ونيجيريا «3793 لاعباً» في المركز السابع، وحلت صربيا ثامناً «3576 لاعباً» وأوروجواي تاسعاً «3341 لاعباً»، وغانا في المركز العاشر «2848 لاعباً»، لتشهد قائمة «التوب 10» عالمياً، وجود دولتين من أفريقيا، هما نيجيريا وغانا.
وإجمالاً صدرت أفريقيا 15 ألف لاعب في آخر 10 سنوات، بواقع 4.1 ألف لاعب إلى أوروبا، وحققت دخلاً 433 مليون دولار، عاد منهم خلال الـ 10 سنوات، ما يصل إلى 1684 لاعباً مقابل 44 مليون دولار، وصدرت إلى قارة آسيا 3220 لاعباً بـ 104.5 مليون دولار، عاد منهم 1059 لاعباً، و168 لاعباً لـ «الكونكاكاف» بـ 6.8 مليون دولار، والغريب أن أفريقيا لم تصدر أي لاعب إلى أوقيانوسيا في آخر 10 سنوات، بينما تنقل داخل حدود قارة أفريقيا 7580 لاعباً، مقابل 83.1 مليون دولار.
وبشكل عام، ومن أصل 15 ألف لاعب أفريقي أثروا ملاعب قارات العالم خلال 10 سنوات، لم تنجح 10 دول عربية في منافسة باقي دول «القارة السمراء»، وإنما كان نصيب لاعبيها في هذا الرقم لا يتعدى 2 إلى 4% من العدد، ما يكشف حجم مأساة المواهب العربية في ملاعب العالم.
أما في قارة آسيا التي تضم 12 دولة عربية تشكل باقي الوطن العربي مع قارة أفريقيا، فالحال أسوأ بكثير، حيث لم تقدم الدول الـ 12 بـ «القارة الصفراء» مواهب إلى ملاعب العالم يمكنها أن تخطف الأنظار، رغم بعض المواهب العراقية والسورية واللبنانية التي خاضت تجارب أوروبية مختلفة، ولكن لم يكتب لها الذيوع والانتشار، بعكس اللاعبين الأفارقة واللاتينيين، حيث قدمت قارة آسيا خلال 10 سنوات إلى ملاعب أوروبا 3678 لاعباً مقابل 433 مليون دولار، أغلبهم من اليابان التي قدمت أكثر من 1390 لاعباً، وكوريا الجنوبية وأستراليا، بينما لا يتجاوز اللاعبون العرب الذين مثلوا قارة آسيا 20 لاعباً في تجارب أغلبها لم يكتب له النجاح.
وبالنظر إلى للأرقام التي يتم ضخها في صفقات اللاعبين، والانتقالات بين الأندية والقارات، يمكننا أن نلحظ غياب الاستثمار في الكرة العربية، والمواهب العربية، التي يمكنها أن تكون «دجاجة» تبيض ذهباً لأنديتها ولدولها بشكل عام إذا تم الاهتمام بثقافة الاحترافية، ورصدت الميزانيات لتطوير المواهب وتصديرها لأوروبا مثلما تفعل باقي دول أفريقيا، بالإضافة لدول أميركا الجنوبية والوسطى، وبعض دول أوروبا التي تصدر المواهب مثل البرتغال وفرنسا وإسبانيا.



الأندية العربية «صعبة التفاوض» ولا تقتنع بـ «الفرص الذهبية»

رصد أرقام الاتحاد الدولي قائمة تضم أفضل وأعلى 70 لاعباً أجراً في سوق الانتقالات العالمية خلال آخر 10 سنوات، والتي شهدت إطلاق 31 نادياً لما يقارب 70 لاعباً، أغلبها أوروبية وبرازيلية وأرجنتينية، بينما حضرت مصر بناد واحد فقط، ليس الزمالك أو الأهلي، وإنما المقاولون العرب، الذي قدم صفقة انتقال محمد صلاح إلى بازل السويسري، حيث أصبح سعره حالياً يزيد على 90 مليون جنيه إسترليني.
ورغم ذلك شهدت صفقة بازل والمقاولون أزمة في بداية التفاوض، كادت أن تحرم العالم من موهبة «مو صلاح»، في عام 2012 وهو ما أكد عليه جورج هايتزا، المدير الرياضي لبازل في ذلك الوقت، والذي أبرم صفقة انتقال صلاح، حيث وصل إلى القاهرة على متن طائرة خاصة، وفوجئ بمغالاة المقاولون في سعر اللاعب بمبلغ اقترب من مليوني دولار، إلا أن رغبة صلاح في خوض التجربة، سهلت مهمة النادي السويسري، لأن المتبقي على عقده أيضاً 6 أشهر فقط مع المقاولون.
وشدد هايتزا الذي يعمل حالياً مديراً رياضياً لنادي شيكاجو الأميركي، على أن المواهب العربية قادرة على التألق، شريطة أن تخرج لأندية وسط أوروبا، ولا تتعجل التفكير في الدوريات الخمس الكبرى، مشيراً إلى أن سر نجاح صلاح هو بدايته في بازل الذي أعده جيداً وهو صغير السن، وقدمه إلى أندية أوروبا، حيث انتقل بعدها إلى الدوري الإيطالي ومن بعده الإنجليزي، وقال: تعاقدنا مع صلاح ومن بعده محمد النني، إلا أن موهبة صلاح فرضت نفسها بالفعل، وأثبت أنه لاعب متميز.
ولفت هايتزا إلى أن التفاوض مع الأندية العربية يعتبر أمراً صعباً، في ظل عدم تفكير تلك الأندية فيما أسماه بـ «الفرصة الذهبية»، لتكون سبباً في تفجير طاقات المواهب العربية، حيث تغالي أغلب الأندية، بجانب تمسكها بـ «الربح الوقتي»، وهدر «الربح المستقبلي» الأكبر، وقال: المقاولون كان يريد ما يصل إلى مليوني دولار، بينما عرضنا ما هو أكثر، عبر نسبة من بيع اللاعب وأخرى حال تصدره الهدافين، أو مشاركته بنسبة كبيرة في المباريات خلال الموسم وهكذا، وبتلك الاتفاقية حقق المقاولون دخلاً في أول 4 سنوات احتراف صلاح، ومن أول عقد له في الدوري الإنجليزي، بما يزيد «الضعفين» مقارنة بما طلبه أول مرة.
ووجه هايتزا نصيحة إلى لأندية العربية، وطالبها بعدم التفكير بـ «أنانية» عبر التمسك بالمواهب، وعدم منحها الفرصة للاحتراف في سن صغيرة، وأشار إلى أنه وضع بعض الأسماء تحت عينيه في دول عربية عدة منهم، عمر عبد الرحمن لاعب شباب الأهلي الحالي، وحبيب الفردان لاعب اتحاد كلباء، إلا أن طلبه قُوبل بالرفض والمغالاة من الأندية عقب «أولمبياد 2012».
وأضاف: إذا وافقت أندية الدوري الإماراتي على عرضي «عموري» والفردان، كان يمكن أن يكون مكانهما أفضل حالياً، خصوصاً عمر عبدالرحمن الذي لفت الأنظار في «أولمبياد لندن»، وتألق مع منتخب الإمارات، ولكن جميع المدراء الرياضيين في أوروبا، يعرفون أن الدوريات الغنية في الإمارات والسعودية تحديداً، لا تترك مواهبها مهما كانت المغريات، وهذا «خطأ قاتل» يضر بتلك المواهب وبسمعة اللعبة في تلك الدول. وشدد هيتزا على أن نجاح صلاح يعتبر «حالة استثنائية» بسبب العقلية الاحترافية الشديدة للاعب، بعكس أغلب المواهب العربية الحالية، مشيراً إلى أن «آفة» اللاعبين العرب، هي التسرع في النجاح، والتفكير في الانتقال إلى أكبر الأندية، من دون تقديم ما يلزم لتحقيق ذلك.

8000 نادٍ في العالم لا تمنح «العرب» الأولوية!
كشفت الأرقام التي حصلت عليها صحيفة «الاتحاد» من «الفيفا»، عن أبرز المعلومات المتعلقة بسوق الانتقالات العالمية في آخر 10 سنوات، منذ تطبيق نظام الانتقالات الدولي «TmS»، بوجود 8300 نادٍ على مستوى العالم أبرمت خلال تلك الفترة 133 ألف عملية انتقال دولي، بواقع 67 ألف انتقال وما بين الشراء والإعارة وغيرها، إلا أن أكثر من 8000 نادٍ منها تمثل 180 اتحاداً وطنياً حول العالم «من دون الاتحادات العربية» لا يضع الموهبة العربية على رأس أولوياته التعاقدية، حيث يأتي البرازيلي ثم الأرجنتيني والبرتغالي والفرنسي أولاً، بالإضافة إلى اللاعب الأفريقي من وسط «القارة السمراء» في نيجيريا وغانا والسنغال وكوت ديفوا تحديداً.
المصدر: جريدة الاتحاد، علي الزعابي (أبوظبي) 20 ديسمبر 2021

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

الرياضة العربية.. ثروات كبيرة واستثمارات مهدورة (2-3)

ضعف التسويق.. «فشل إدارة» أم «ثقافة مجتمع»؟! منشآتنا نماذج “كيانات اقتصادية” بـ “أرباح خيالية” سباقات …