المرأة في قلب الانتقال الأخضر والمستدام

أدت الأزمة الصحية إلى تفاقم أوجه عدم المساواة بين الجنسين، ولكنها أثبتت أيضا أنها عامل مُسرِّع لتعميم هذا البعد في جميع السياسات العامة. ومكّن هذا الوعي من إبراز فرص النمو من خلال الوظائف الخضراء المراعية للبيئة حيث تضطلع النساء بدور قيادي.

ولا تزال أوجه عدم المساواة بين الجنسين تشكل عائقا أمام النمو الاقتصادي للبلد، وتمثل أكثر من مجرد تحدّ، بل رهان كبير يواجه المغرب. في هذا السياق، يدعم الاتحاد الأوروبي إدماج المساواة بين الجنسين من خلال مرافقة الجهود التي يقوم بها مختلف الفاعلين المؤسساتيين والمجتمع المدني والقطاع الخاص العامل في مجال تغير المناخ.

وحسب منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، تتأثر المرأة بشكل مختلف بأنماط الإنتاج والاستهلاك المستدامة وغير المستدامة. ففي فترة تفشي وباء كوفيد-19 الذي زاد من عدم المساواة بين الرجل والمرأة، بات من الضروري إدماج المساواة بين الجنسين لإنجاح تنفيذ استراتيجية الاقتصاد الدائري. ويجب الإقرار بأن المرأة تعتمد في معيشتها على الموارد الطبيعية المستنفدة وتتأثر أيضاً بسوء ظروف العمل وتشتغل بشكل غير رسمي في مجال تدبير النفايات السامة التي قد تلحق الضرر بصحتها. وعلى سبيل المثال، فإن القطاع الزراعي الذي يشكل 15 في المائة في المتوسط من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة يمثل 71 في المائة من مناصب الشغل في العالم القروي. وحسب بعض الدراسات، فإن المردودية الزراعية قد ترتفع بنسبة تتراوح ما بين 20 و30 في المائة إذا كانت للمزارعات نفس فرص الوصول إلى الموارد المتاحة للرجال.

وفي حين أن النساء يشكلن أكثر من 50 في المائة من الساكنة القروية، فإنهن يشكلن 40 في المائة من اليد العاملة الدائمة والمؤقتة في القطاع الفلاحي. وفي عام 2017، ساهمت النساء في 93٪ من الأنشطة الفلاحة وشبه الفلاحية على طول سلاسل القيمة والإنتاج والتثمين، من المنتِج إلى المستهلك.

ويجب التذكير بأن المرأة لازات تواجه عدة عقبات، بالإضافة إلى صعوبات في الولوج إلى الموارد والبنيات التحتية مثل التعليم والماء الصالح للشرب والمرافق الصحية والتنقل. كما أنها تكافح من أجل الولوج إلى الأراضي ومصادر الطاقة المتجددة. ومن شأن المشاركة المتساوية أن تتيح لهن إمكانية الاستفادة من 18 مليون وظيفة جديدة ستحدثها الطاقات المتجددة بحلول عام 2050 في جميع أنحاء العالم.

بالإضافة إلى ذلك، من الضروري إشراك المرأة وإضفاء الطابع النظامي على القطاع غير المهيكل في مجال جمع النفايات المنزلية المكونة من النفايات العضوية؛ ولدى المغرب إمكانية استعادة 20 في المائة من هذه النفايات، في حين أن نسبة التثمين وإعادة التدوير لا تتجاوز 7 في المائة، حسب قطاع البيئة التابع لوزارة الفلاحة والصيد البحري.

الاتحاد الأوروبي في المغرب يدعم الفاعلين من أجل التغيير
يدعم الاتحاد الأوروبي المساواة بين الجنسين في المغرب ويرافق الفاعلين المؤسساتيين، من جهة، كما يدعم من جهة أخرى الفاعلين غير الحكوميين من مجتمع مدني وقطاع خاص في إطار مبادرات ميدانية ذات أهداف محددة.
وضمن هذه المبادرات العديدة، أحدثت بعض المشاريع التي يدعمها الاتحاد الأوروبي ديناميات تحويلية أعطت نتائج جد واعدة:

وفي إطار إدماج مفهوم النوع في الحكامة المحلية، اعتمد مشروع “SAFAE and Democracy” الذي تنفذه المنظمة الإيطالية غير الحكومية CEFA في مناطق فكيك وسطات والحسيمة وطاطا منهجية القرب بالتعاون المستمر مع الجمعيات المحلية الفاعلة في عملية تعزيز المساواة بين الجنسين. في هذا الصدد، تقول إيريكا رامانزيني، مديرة المشروع: “من خلال هذا المشروع، تم تدريب 130 جمعية محلية واستفادت 62 امرأة من هذه البرامج. بالإضافة إلى ذلك، وبغية توفير أرضية خصبة لإجراء نقاش ديمقراطي قادر على وضع خطط إنمائية إقليمية تراعي الفوارق بين الجنسين، تم إنشاء 15 مجالا للحوار بين الفاعلين في هذا الميدان. فعلى سبيل المثال، تمكَّنا من إنجاز 12 مشروعا نفذتها الجمعيات والتعاونيات من خلال تسهيل عملية تمكين النساء انطلاقا من المستوى الأدنى. ”

ويمثل تمكين الفتيات والنساء أداة رئيسية لضمان حقوقهن. وبناء على مشروع SAFAE ، يهدف برنامج “دارنا” الممتد على ثلاث سنوات دعم نساء وفتيات من الحسيمة وفيكيك والعرائش وورززات ووجدة لتطوير مبادرات مقاولاتية وللإدماج في العمل، وذلك من خلال ورشات تُعنى بالقيادة والتكوين على مسارات العمل والتكنولوجيات الجديدة، في سياق الانتعاش الشامل والمستدام لمرحلة ما بعد جائحة كوفيد-19.

ويُعتبر العمل اللائق أحد التحديات التي يجب مواجهتها. في هذا المجال، وفي إطار مشروع يتعلق بقطاع الفواكه الحمراء، كشفت منظمة “أوكسفام” عدة اختلالات بشأن ظروف العمل وعدم احترام حقوق العاملات في القطاع الفلاحي. ولمعالجة هذا الأمر، وضع اتحاد مكوَّن من 20 منظمة خيرية (أوكسفام) برنامجا من أجل احترام أكبر للحقوق الاجتماعية والاقتصادية للعاملات في هذا القطاع. وبناء على الدعم المقدم من الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية ومن الاتحاد الأوروبي، تم تطوير أوجه التآزر بين المجتمع المدني المغربي ومؤسسات الدولة والخبراء والمنتجين والعاملات أنفسهن. وعلى الصعيد الدولي، تعمل “أوكسفام” مع المستوردين والموزعين الأوروبيين للفواكه الحمراء المغربية. في هذا السياق، تقول هيبة الخمال، المسؤولة عن البرنامج: “لقد لاحظنا أن أكثر من 400 1 امرأة حصلن على بطاقة هويتهن الوطنية في إطار البرنامج؛ وقد أدخلت أكثر من 70 في المائة من محطات التغليف ومصانع التجهيز شرط بطاقة الهوية الوطنية. وفيما يتعلق بالحصول على الحماية الاجتماعية، سُجِّل في عام 2014 ما يقرب من 65 في المائة من الأشخاص العاملين في قطاع الفواكه الحمراء في المنطقتين المختارتين لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وقدم البرنامج الدعم لأكثر من 025 3 شخصا، من بينهم نحو 700 2 امرأة، لمساعدتهم على الحصول على بطاقة الضمان الاجتماعي الوطنية أو للتحقق من انخراطهم. وأخيراً، وفيما يتعلق بالحد الأدنى للأجور، فإن 70 في المائة من مصانع التغليف تمتثل الآن للحد الأدنى للأجور”.

ومن جهة أخرى، يشكل تدبير المياه تحدياً رئيسيا للتنمية المستدامة ويحمل هذا التحدي في طياتها كذلك بُعداً جنسانياً. ومن ثم، دعم الاتحاد الأوروبي التدبير المندمج لموارد المياه في الواحات بكل من فركلة وأكينان. والهدف من ذلك هو حماية واحات جنوب المغرب وتعزيز قدرتها على التكيف مع تغير المناخ والتوفيق بين الأمن المائي والأمن الغذائي من أجل تنمية بشرية مستدامة. في هذا الموضوع، تقول إيمان أزميل، مديرة المشروع: “خلال عدة اجتماعات مع ساكنة واحتي أكينان وفركلة في إطارمشروع تعزيز التدبير المندمج للموارد المائية في الواحات الذي قادته الجمعية المغربية لأساتذة علوم الحياة والأرض والاتحاد الأوروبي، لاحظنا تعبئة قوية للنساء حيث أثبتن قدرتهن على أن يصبحن المحرك الحقيقي للتغيير. لسوء الحظ، لاتزال تمثيليتهن ضعيفة في هيئات صنع القرار”.

وهناك مشروع آخر يهدف إلى تمكين المرأة وتحسين ظروف عملها، وهو مشروع يودا (براكا). تولت قيادة هذا البرنامج شابات من أجل الديمقراطية في جهة سوس-ماسة بإقليمي إنزكان وآيت ملول. يهدف هذا المشروع إلى مواجهة التمييز ضد المرأة العاملة في ما يسمى بالإطار الفلاحي الموسمي دون احترام ظروف الشغل والتعرض المستمر للتحرش الجنسي والنفسي. في هذا الصدد، تقول بشرى الشتواني، مديرة المشروع: “تُعتبر “يودا” مرافعة لتسليط الضوء على النساء اللواتي يعمل في قطاع الفلاحة بشكل موسمي وغير نظامي. وقد أعطيت الكلمة لهذه النساء خلال فترة الحجر الصحي لتحديد حاجياتهن. وبناء على شهادتهن، تم رفع مذكرة لكل المؤسسات المعنية”.

تذكرنا كل هذه المبادرات الميدانية التي يقوم بها الفاعلون والفاعلات من أجل التغيير بأهمية المساواة بين الجنسين لضمان مستقبل مستدام وهي أيضا تندرج ضمن التزامات الاتحاد الأوروبي من خلال خطة العمل من أجل المساواة بين الجنسين (GAP III). ومن ثم، فإن 85 في المائة من مجموع الأعمال الجديدة المندرجة في إطار العلاقات الخارجية ستساهم في المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة وذالك في أفق 2025.

وقد تم إدراج هذه الالتزامات على المستوى الوطني من خلال عمل منسق بين الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء (مبادرة فريق أوروبا) وذلك من أجل القيام بأعمال محدذَدة وإدماج مسألة النوع في كل القطاعات، بما فيها البنيات التحتية ومشاريع الرقمنة والطاقة والفلاحة.
المصدر، المفوضية الاوروبية 08.03.2022

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

محمد بن راشد يطلق حملة “وقف الأم” لتكريم الأمهات بإنشاء صندوق بقيمة مليار درهم دعماً للتعليم حول العالم

جرياً على عادة سموه بإطلاق المبادرات الخيرية والإنسانية تزامناً مع الشهر الفضيل. محمد بن راشد: …