التغيرات المناخية لها نتائج كارثية على الأمن المائي ومستقبل الزراعة

محمد داوود الخبير الدولى في المياه لـ المصري اليوم:
خطة مصر للحد من ازمات الشح المائي تعتمد على برامج التحلية ومعالجة “الصرف الزراعي الصحي”
ارتفاع حرارة الارض قد يؤثر على حصة مصر من نهر النيل الواردة من اثيوبيا والهضبة الاستوائية
الهندسة الوراثية قادرة على مضاعفة انتاج المحاصيل

أكد الدكتور محمد داوود، الخبير الدولى واستشارى أول موارد المياه بحكومة أبو ظبى، أنه بالرغم من أن مصر ليست طرفًا فى حدوث التغيرات المناخية فإنها الأكثر تأثرًا بها فى قطاعات الزراعة والمياه والاقتصاد، لافتًا خلال حواره لـ«المصرى اليوم» أن الدراسات الحديثة تؤكد أن التغيرات المناخية ستؤدى إلى حدوث تداخل فى مياه البحر وتآكل فى مياه الدلتا، الأمر الذى سيدفع هجرة الملايين من البشر من هذه المناطق، وفقدانهم أراضيهم ومواردهم وقد ينتج عنه ظهور فيروسات وأمراض جديدة.

وذكر «داود» أن المناخ له آثار سلبية على إنتاجية المحاصيل الزراعية، ويعد البحث العلمى الطريق الأول للتخفيف من وطأة الظاهرة، ولابد من وضع خطة مصر للحد من أزمات الشح المائى تعتمد على الاستفادة من مشروعات حصاد السيول وتحديث منظومة تطوير الرى بالأراضى القديمة، مشيرًا إلى أن حلول تخفيض الانبعاثات الحرارية يرتبط بالدور الأصيل للقطاع الخاص فى الاقتصاد الجديد.. وإلى نص الحوار:

■ كيف يمكن أن ننتقل من الأوراق حبيسة الأدراج إلى وضع حلول واقعية قابلة للتنفيذ من خلال مؤتمر المناخ cop27؟
– لابد أن ندرك جيدًا أن حجم تأثير التغيرات المناخية سواء من أحوال جوية شديدة إلى فيضانات وموجات جفاف وكوارث أخرى، تؤدى إلى حرمان ملايين البشر، ما يقرب من 800 مليون شخص يتضررون كل عام، من التغيرات المناخية فى قطاع الزراعة ومصايد الأسماك، وللخروج إلى حيز التنفيذ لابد من تضافر الجهود العالمية وليست المحلية لأن الدول الأكثر تأثيرًا على التغيرات المناخية هى الدول الغنية صناعيًّا والتى تستخدم كميات كبيرة من الطاقة، وبالتالى حجم الانبعاثات الغازية كبير جدا، ويتم ذلك من خلال ثلاثة مستويات.

المستوى الأول هو الحكومى ولابد من وضع خطط حكومية واضحة للحد من الانبعاثات الغازية والتمويل لدعم هذه البرامج، أما المستوى الثانى فهو الجامعات ومراكز البحوث ولابد من اكتشاف تقنيات جديدة للحد من استخدام الطاقة الأحفورية التى تؤدى إلى الحد من الانبعاثات الغازية بجانب استخدام تكنولوجيا أكثر تطورًا وتقنيات حديثة لخفض الانبعاثات وتحسن الوضع الحالى، والمستوى الثالث لابد فيه من خفض هدر المياه وربط مراكز البحوث بالصناعة واستخدام البحوث الجديدة.

■ ما دور القطاع الخاص للتصدى لمشكلات وقضايا المناخ؟
– دور القطاع الخاص كبير جدًّا يتمثل فى القطاع الصناعى الذى يستخدم كميات كبيرة من الطاقة وينتج التكنولوجيا، والقطاعات الصناعية الثقيلة التى تستخدم كميات كبيرة من الطاقة لابد معها من الاعتماد على استخدام البحث العلمى لتطوير كفاءة الطاقة فى هذه الصناعات ما يؤدى بدوره إلى خفض الانبعاثات الغازية بشكل كبير.

ويجب استثمار جزء من أموال القطاع الخاص فى معالجة الانبعاثات الغازية بما لا يضر بالبيئة، ومعالجة تصريف مياه الصرف الصحى والصناعى فى المجارى المائية ومعالجة الانبعاثات الغازية من خلال استخدام الفلاتر، ولابد أن يكون البحث والتطوير مرتبطًا مع البحوث العلمية لتحسين رفع كفاءة استخدام الطاقة ولتكون الانبعاثات الغازية أقل ما يكون، مع توفير جزء من موازناته للصرف على البحث والتطوير والربط مع القطاع العلمى والإنفاق على مجالات البحث العلمى على قطاع الصناعات التى يعمل بها، وتنمية برامج البحث والتطوير فى التقنيات المرشدة للطاقة والزراعة والمياه.

■ هل الاستثمار فى قطاع التغيرات المناخية لها مردود اقتصادى؟
– تؤكد التقارير الدولية أنه إذا استثمرنا بشكل جيد فى القطاعات المختلفة (قطاعات الصناعة والطاقة والمياه والزراعة) يمكن توفير ما يقرب من 25 مليار دولار سنويًّا.

وخسائر هذه القطاعات كبيرة جدًّا بسبب التغيرات المناخية، والاستثمار فى هذه القطاعات لها مردود اقتصادى كبير جدًّا، والتقارير الدولية تشير الى إمكانية توفير خسائر مادية فى قطاعات البنية التحتية وقطاعات المياه وقطاعات الطاقة وقطاعات المواصلات، والاستثمار فى قطاع الحد من التغيرات المناخية سواء البيئى أو الاقتصادى أو على الصحة العامة أو على المجتمعات العمرانية والبشرية هو مردود عالٍ وله قيمة اقتصادية وإنسانية عالية جدًّا، وبالتالى يجب ألا نغفل هذه الاستثمارات أو نعمل على توفير هذه النفقات.

■ كيف تؤثر التغيرات المناخية على موارد المياه فى مصر؟
– تؤثر التغيرات المناخية على 3 نواحٍ رئيسية فى مصر، أولًا على الإمداد بموارد المياه، فـ98% من الموارد المائية نحصل عليها من نهر النيل، وبالتالى التغيرات المناخية إذا أثرت على أعالى النيل وأدت إلى تقليل هطول الأمطار والوارد إلينا سواء من النيل الأبيض أو الأزرق وهضبة الحبشة والهضبة الاستوائية يؤدى إلى التأثير على كميات المياه الواردة.

كذلك التحديات التى نواجهها من دول أعالى النيل وبالأخص مشكلة سد النهضة مع إثيوبيا ليس لدىّ قدرة على تحمل تأثير التغيرات المناخية على حصتى من المياه سواء من هضبة الحبشة أو الهضبة الاستوائية.

والناحية الثانية تتمثل فى الاستخدام الداخلى، فكلما ارتفعت درجات الحرارة أدى ذلك إلى احتياج القطاع الزراعى إلى مياه أكبر، فكلما كان هناك تأثير على النظام الزراعى كان هناك تأثير على موارد المياه، إضافة إلى أن تداخل منسوب سطح البحر يؤدى إلى تآكل الساحل الشمالى فى الدلتا وتداخل مياه البحر فى الخزانات الجوفية العذبة فى الدلتا، وبالتالى مواردى المائية تتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر، بجانب تلوث المياه التى تؤدى إلى ظهور الأمراض وحدوث تملح للأراضى وهجرة المواطنين واحتياجاتهم لموارد مائية للحياة، وكلما زاد عدد السكان حدثت ضغوط على موارد المياه المحدودة والشحيحة.

■ ما المصادر غير التقليدية لتوفير المياه؟
– نحتاج إلى توفير موارد أخرى وهى التى نطلق عليها الموارد غير التقليدية، سواء كانت التحلية أو إعادة معالجة مياه الصرف الزراعى أو الصحى وإعادة استخدامها، وبدأنا فى هذه النماذج بالفعل عندنا محطات ضخمة لمعالجة مياه الصرف الزراعى، ولدينا محطات ضخمة سواء فى بحر البقر وفى الحمام عن قريب، وتتكلف هذه المحطات بنية أساسية ومصاريف تشغيلية، ولدى مصر برنامج طموح لزيادة مصادر مياه التحلية إلا أنها تحتاج إلى تكلفة تشغيلية إلى حد كبير، وعندنا مشروع لتأهيل وتطوير الترع وصلنا إلى 4 آلاف كيلو لتوفير وتوصيل المياه إلى نهاية الترع، وجميعها خطط للحد من أزمات الشح المائى.

■ ما التوصيات الزراعية للحد من آثار التغيرات المناخية؟
– من المؤكد أن التكنولوجيا والمبادرات الزراعية الحديثة تلعب دورًا مهمًّا للحد من تأثير التغيرات المناخية على القطاع الزراعى، من خلال استخدام التكنولوجيا المرشدة باستخدام المياه أو الطاقة مثل الزراعات فى الصوب الزراعية أو البيوت المحمية أو الهوائية، فجميعها نظم للزراعة يتم استخدامها فى توفير كميات كبيرة من المياه والطاقة وتؤدى إلى إنتاج غذاء عالٍ يمثل 10 أضعاف بكميات مياه أقل تصل إلى 80% من مياه الرى، ويؤدى إلى نسبة توفير، وهذه التقنيات تؤدى إلى إنتاج محاصيل زراعية باستهلاك طاقة ومياه قليلة.

كذلك هناك زراعات تسمى الزراعات المتأقلمة على التغيرات المناخية، ويستخدم فيها نظام الهندسة الوراثية ونعمل فيها على تحسين خصائص النبات وتحمله درجات الملوحة ودرجات الحرارة، وتم إعداد برنامج لإنتاج القمح باستخدام مياه عالية الملوحة، وتحسين نظام الهندسة الوراثية يؤدى إلى زيادة الإنتاج وتحمله للملوحة، إضافة الى أن تحسين البذور بالهندسة الوراثية يؤدى إلى إنتاج أكثر وبجودة عالية، فمثلًا الفدان لو أنتج 12 طنًّا من القمح فلو تم استخدام الهندسة الوراثية فى زراعته تزيد حصيلته إلى 20 طنًّا.

ولابد من زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية باستخدام تقنيات حديثة فى الزراعة مما جعله يتحمل الملوحة ودرجات الحرارة والجفاف مع تحسين الوضع، وكل البحوث تستخدم هذه الطرق على مستوى العالم.

■ الوضع الاقتصادى العالمى يبشر بتهديدات عديدة مرتبطة بالتمويل.. كيف نجد حلولًا تمويلية لمشروعات المناخ؟
– فى مؤتمرات المناخ السابقة تعهدت الحكومات بتوفير 100 مليار دولار لدعم برامج وأنشطة بغرض الحد من التغيرات المناخية، وأول مصدر يجب أن نعتمد عليه هو الدعم الحكومى من الحكومات الصناعية الغنية من خلال إيجاد صندوق وتوفير 100 مليار دولار التى وعدت بها للإنفاق على مشاريع تطوير البحث العلمى ودعم الدول الفقيرة وإقامة مشاريع أقل تأثيرًا على الانبعاثات الغازية، كذلك توفير الدعم اللازم من القطاع الصناعى، بمعنى أن المصانع التى تنتج غازات الاحتباس الحرارى لابد أن توفر من أرباحها على البحث العلمى لتحسين كفاءة الطاقة للخفض من الانبعاثات فى مصانعه والحد من التلوث حول المصنع.

والمؤسسات الدولية التى تدعم البحث العلمى يجب أن تستثمر جزءًا من نفقاتها الاقتصادية على الاستثمار فى البحث العلمى لإنتاج تقنيات أكثر كفاءة فى الطاقة.

■ حدثنا عن تبعات التغيرات المناخية على منسوب البحر ومناطق الدلتا؟
– بالرغم من أن مصر تصدر انبعاثات غازية منخفضة جدًّا مقارنة بإنتاج الدول الصناعية الكبيرة، إلا أننا نتضرر بشكل مباشر، خاصة دلتا نهر النيل وهى واحدة من أكثر المناطق المهددة بالعالم والأكثر حساسية للتغيرات المناخية، حيث تشير الدراسات الحديثة إلى أن التغيرات المناخية ستؤدى إلى حدوث تداخل فى مياه البحر وعدم صلاحيتها للرى، الأمر الذى سيدفع هجرة الملايين من البشر من هذه المناطق، وفقدانهم أراضيهم ومواردهم وقد ينتج عنه ظهور فيروسات وأمراض جديدة.
كذلك التغيرات المناخية تؤدى إلى ارتفاع مناسيب مياه البحر والتى تمثل تحديات كبيرة أمام العالم كله.

■ كيف نواجه هذه التحديات؟
– يستلزم الأمر إقامة مشروعات جديدة تؤهلنا للتأقلم مع التغيرات المناخية والتى تحتاج إلى رأسمال وموازنة ضخمة، وهو ما تقوم وزارة الرى بتنفيذه الآن من مشروعات فى مجال حماية الشواطئ تهدف لمواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية.
المصدر، المصري اليوم: الأحد 03-07-2022 22:07 | كتب: ريهام العراقي |
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2635907

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

فيضانات الخليج.. خبير: تغيرات عالمية ستؤثر على 3 مليارات شخص (مقابلة)

عماد سعد، خبير الاستدامة والتغير المناخي، رئيس شبكة بيئة أبوظبي: منخفض “الهدير” ليس استثناء بصفته …