في اليوم العالمي للتراث.. اليونسكو تدق ناقوس خطر التغير المناخي على التراث العالمي

يحتفي المنتظم الدولي في الثامن عشر من أبريل كل عام، باليوم العالمي للتراث أو اليوم العالمي للآثار والمواقع، حيث تم اقتراح الاحتفال بالتراث الثقافي والتاريخ المشترك وثقافات العالم في مثل هذا اليوم سنوياً من قبل منظمة المجلس الدولي للآثار والمواقع “ICOMOS” في عام 1982.

ووافقت منظمة “اليونسكو” في مؤتمرها العام الثاني والعشرين المنعقد عام 1983 على هذا الموعد.. ومنذ ذلك الحين، تقوم منظمة ICOMOS باقتراح موضوع محدد للاحتفال السنوي بالتراث.

ويحمل شعار الاحتفال هذا العام عنوان “التراث والمناخ”، وجعلته “اليونسكو” محط أنظار العالم، وذلك من أجل لفت الانتباه إلى خطورة التغيرات المناخية، بجانب التعرف على مدى تأثيرها على التراث العالمي.

وتعد قضية التغير الملحوظ للمناخ إحدى أبرز وأهم القضايا التي تؤرق إنسان العصر الحالي، نظرا لما تُشكله من خطر كبير، وتهديد لكافة المعالم الطبيعية والثقافية للتراث العالمي.

وقد أعربت منظمة اليونسكو بأن هُنالك واحدا من كل ثلاثة مواقع طبيعية، وواحدا من كل ستة مواقع للتراث الثقافي يتعرض للتهديد في الوقت الحالي، بسبب تغير المناخ الملحوظ عليه، مضيفة أنه “في الأشهر والسنوات الأخيرة، رأينا مواقع التراث الثقافي والطبيعي، بما في ذلك العديد من مواقع التراث العالمي لليونسكو، مهددة بحرائق الغابات والفيضانات والعواصف وأحداث التبييض الجماعي”.

وفي هذا الصدد، قال الدكتور نور الله منوّر، زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه قسم التاريخ بمعهد الدوحة للدراسات العليا في تصريح لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، إن اليوم العالمي للتراث لا يخص فقط المواقع المدرجة على قائمة اليونيسكو للتراث الثقافي والطبيعي العالمي، ولكن يتضمن أيضاً جميع الأوابد التاريخية، والمواقع التراثية الثقافية، والمناظر الطبيعية

التراثية ذات الأهمية العالمية والإقليمية والمحلية، مشيرا إلى أن الاحتفال باليوم العالمي للتراث يتم بهدف تعزيز معرفة المجتمعات المحلية والأفراد بأهمية التراث الثقافي في حياتهم. كما ترتكز الاحتفالية على نشر وزيادة الوعي حول التنوع الثقافي والمعالم الأثرية والمواقع التراثية والثقافية، وضرورة تكثيف الجهود للحفاظ على التراث حول العالم.

وأوضح أن الهدف الرئيسي ليوم التراث العالمي، يتجلى في جمع الناس من المناطق الجغرافية والأعراق والأديان المختلفة لتبادل وجهات النظر والمعلومات حول تاريخهم وتراثهم وذكرياتهم وتقاليدهم. حيث إن هذا التعارف المتنوع يهدف لتعزيز التعايش المشترك عن طريق إقامة احتفالات متنوعة من قبل منظمة ICOMOS بالشراكة مع مكاتب اليونسكو

المنتشرة في جميع أنحاء العالم. من خلال زيارة المعالم ومواقع التراث وأعمال الترميم، وافتتاح النصب التاريخية المرممة حديثاً، ونشر المقالات والنشرات التوعوية في الصحف والمجلات، بالإضافة للبث التلفزيوني والإذاعي، وتعليق اللافتات في ساحات المدن والشوارع الرئيسية، وتنظيم المعارض والنقاشات والحوارات في المراكز الثقافية.

كما أشار الدكتور نور الله منوّر إلى أن هذا اليوم العالمي، يسعى لإبراز الدور الكبير للتراث والثقافة في تعزيز أهميتهما والحاجة الملحة لمبادرات تشجع مشاريع الحماية في ظل الأخطار المتعددة والمتجددة حول العالم.

ونبه الدكتور نور الله منور زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه بقسم التاريخ في معهد الدوحة للدراسات العليا إلى أن تهديد التراث لا يقتصر على أعمال العنف والحروب والنزاعات، بل يمتد لما يسمى بالتغير المناخي الذي نعيشه اليوم. حيث تتأثر الممتلكات الثقافية ومواقع التراث والأوابد الأثرية بتأثيرات تغير المناخ في الوقت الحاضر وفي المستقبل أيضا. إذ أضحت

التغيرات المناخية أحد أهم وأحدث التهديدات للتراث الثقافي حول العالم، مما قد يؤثر بشكل سلبي على القيمة العالمية الاستثنائية للتراث الإنساني، بما في ذلك السلامة والأصالة، وقدرتها على التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المستوى المحلي والإقليمي.

وأضاف أن للمناخ عوامل مؤثرة على سلامة المواقع التراثية الثقافية والأوابد الأثرية الموجودة في الأماكن المفتوحة؛ كالجفاف أو زيادة منسوب مياه سطح البحار أو المحيطات. ولذلك يتطلب الحفاظ المستدام على التراث فهما خاصا واستجابة مستمرة وفعالة لهذه التأثيرات المناخية نظرا للقيمة العالمية الاستثنائية للتراث.

وبخصوص الحفاظ على التراث الإنساني العالمي من تأثيرات التغير المناخي، قال الدكتور نور الله منور: “تتضمن الممتلكات التراثية حول العالم خيارات داعمة للمجتمعات المحلية لمساعدتها في التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه من خلال فوائد النظام البيئي، مثل تنظيم المياه والمناخ التي توفرها والكربون المخزن في مواقع غابات التراث العالمي. ومن ناحية

أخرى، يمكن للتراث الثقافي، غير الملموس، أن ينقل المعارف التقليدية التي تبني القدرة على الصمود من أجل التغير القادم وتقودنا إلى مستقبل أكثر استدامة. وفي نفس الوقت يمكن للعوامل المناخية أن تكون عاملا مساعدا في اكتشاف آثار غمرت تحت سطح مياه الأنهار أو البحيرات أو البحار، وهذا ما حصل في عدة مناطق في ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا خلال

أوقات الجفاف في الصيف الماضي، مؤكدا أن مهمة مواجهة تهديدات التغير المناخي والحفاظ على التراث، تعد إحدى أهم الجهود التي يجب أن تتضافر وتتآزر عليها المنظمات الثقافية والمتاحف والجامعات والمؤسسات الدولية كونها عملية تشاركية تهدف لحماية التراث الإنساني العالمي. إذ أنه منذ بداية الألفية المعاصرة، تقوم اليونيسكو وبالتعاون من منظمات

شريكة، مثل منظمات ICOMOS والمجلس العالمي للمتاحف ICOM، على وضع استراتيجيات وسياسات وإجراءات فعالة للاستجابة لتأثيرات التغير المناخي على التراث. حيث تقوم هذه المؤسسات الدولية بالعمل الجاد للحد من تهديدات التغير المناخي على التراث وبناء وتعزيز قدرات المنظمات المحلية والمجتمعات لمساعدتها في حماية التراث وتشكيل

مشاريع صيانة مستدامة هادفة للحفاظ على التراث الإنساني حول العالم.

واختتم الدكتور منور زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه بقسم التاريخ في معهد الدوحة للدراسات العليا حديثه لـ “قنا” بالقول: “يعتبر التراث قيمة إنسانية ذات أهمية ثقافية استثنائية عالمية. لذلك ينظر إلى جهود حماية التراث من أخطار الحروب والنزاعات والتغير المناخي كمهمة إنسانية محلية ودولية، وفي نفس الوقت تهدف إلى جعل الموروث الثقافي جسرا رابطا بين الماضي والحاضر والمستقبل في أي مجتمع كان.

من جانبه، قال الدكتور المغربي أحمد الطلحي خبير في البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية، في تصريح مماثل لـ”قنا”، إن اليوم العالمي للتراث مناسبة للوقوف على ما تم إنجازه خلال السنة التي خلت، والتحفيز للعمل للسنة الموالية، منوها بأن الاهتمام بالتراث زاد خلال العقود الأخيرة، سواء كان ماديا بشقيه الثقافي والطبيعي أو غير مادي، نظرا لكونه ذاكرة

للشعوب والأمم وجب حفظه وصونه، ونقل التجارب والخبرات التي تركها الأجداد والاستفادة منها.

وأوضح أن الهدف من الاهتمام بالتراث الطبيعي، هو الحفاظ على التنوع الحيوي سواء تعلق الأمر بالوحوش (الحيوانات البرية) أو الغطاء النباتي، باعتباره مصدرا طبيعيا يمكن استغلاله في الأبحاث والتجارب العلمية لعلاج الأسقام والأمراض وإيجاد بدائل غذائية جديدة ومواد خام لصناعات متنوعة، حيث إن البحث العلمي هو تراكم، وما لم يصل إليه السابقون،

يبني عليه اللاحقون من أجل الوصول إلى كشوفات علمية تفيد الأجيال القادمة.

كما أكد الدكتور الطلحي على ضرورة الاهتمام بالبحيرات والأنهار والوديان ومصباتها والبحار والمحيطات والصحاري، وكل الأماكن التي تعيش فيها النباتات والكائنات، وارتباط ذلك بالمجال الاقتصادي، نظرا لأنها موارد اقتصادية على الساكنة والدول، حيث إن التراث وارتباطه بالقطاع السياحي يعتبر قاطرة للتنمية للعديد من الدول، وقال عن ذلك: “إن التراث نعيش فيه، ونعيش معه، ونعيش به”.

وحول التهديد الذي يتعرض له التراث بسبب عوامل أخرى مثل الحروب والنزاعات والاعتداءات البشرية من خلال التوسع العمراني، بخلاف التغير المناخي، قال الخبير في البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية، إن تأثيره كبير وجليّ.. كما أن عامل المناخ في العصر الراهن، نتائجه أكبر، خصوصا ما نعيشه من اضطرابات مناخية تتفاقم عاما بعد آخر بسبب

الاحتباس الحراري، وما ينتج عنه من فيضانات وذوبان للجليد والانخفاض الشديد في درجات الحرارة، مقابل الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة وضعف التساقطات المطرية، وهو ما اعتبره “تأثيرات فجائية” على التراث، ممثلا بذلك بأن ذوبان الجليد ـ لا قدّر الله ـ يسبب ارتفاع منسوب البحر، مما ينجم عنه اندثار جزر بأكملها وأجزاء كبرى من اليابسة فيها حضارة

وتراث، وتفقد الإنسانية أجزاء جغرافية في عقود وسنوات، منبها في الوقت نفسه بعدم الاستهانة بالتغيرات المناخية على التراث المادي.

وفي ذات السياق، لفت الدكتور الطلحي، إلى أن المتاحف يمكنها أن تحافظ على جزء من التراث المادي مثل اللقى الأثرية والأدوات التي استخدمها الأقدمون سواء في الطبخ والملبس والمخطوطات. لكن الجزء الأكبر من التراث المادي وغير المادي الوسيلة الوحيدة للحفاظ عليه هو من خلال المحميات، مذكّرا أن من بين التوصيات التي خرج بها المؤتمر السابع

والعشرون للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “COP27″، الذي استضافته مدينة شرم الشيخ المصرية، هو الدعوة إلى تخصيص نسبة كبيرة من الأرض تصل إلى 30 بالمائة تكون على شكل محميات طبيعية سواء برية أو بحرية للحفاظ على التنوع الحيوي والأوساط الطبيعية، مؤكدا أن التراث المعماري الحفاظ عليه ليس عن طريق

المتاحف فحسب، بل عن طريق صونه وصيانته وترميمه باستمرار وتدعيمه بوسائل حديثة للحفاظ عليه من التأثيرات المناخية.

واعتبر أن مسؤولية الحفاظ على التراث، هي مسؤولية جماعية من جهات حكومية وقطاع خاص والمجتمع الأهلي والمنتظم الدولي.. لهذا فإن منظمة اليونسكو في كل عام تخرج بقائمة للتراث الإنساني المادي التي يجب الحفاظ عليها، مثل غابة الأمازون والغابة الاستوائية في إفريقيا، وهما رئتا كوكب الأرض، حيث إن الدول جميعها ينبغي أن تقف مع الدول التي

تقع فيها هذه الغابات من أجل الحفاظ عليها وصونها، لأنه بضياعها، فإن كوكب الأرض يفقد توازنه.

جدير بالذكر، أن منظمة اليونسكو، أشارت إلى أن هُنالك واحدا من كل ثلاثة مواقع طبيعية، وواحدا من كل ستة مواقع للتراث الثقافي يتعرض للتهديد في الوقت الحالي، بسبب تغير المناخ في السنوات الأخيرة، منبهة إلى أن العديد من مواقع التراث العالمي مهددة بحرائق الغابات والفيضانات والعواصف.

المصدر، موقع وكالة الانباء القطرية، الدوحة /قنا، 17 ابريل 2023

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

نجاح توطين 10 آلاف رأس من «المها العربي» في دول الانتشار

جهود الحماية ساهمت في تغير حالته من “منقرض” إلى “معرض للخطر”. سجلت الأمانة العامة لصون …