النظام الغذائي النباتي.. هل يُعدّ حقاً أكثر صداقةً لكوكب الأرض؟

المصدر، موقع (TRT عربي) زاهر هاشم، كاتب متخصص في قضايا البيئة والتنمية المستدامة، 03 يوليو 2023

قدّرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “FAO” في تقرير نشر عام 2015، إجمالي الانبعاثات العالمية الناتجة عن الثروة الحيوانية بنحو 6.19 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، بما يعادل 11.2% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة.

يتزايد عدد الأشخاص الذين يقللون من تناول اللحوم والألبان، أو يستبعدون هذه الأطعمة من وجباتهم الغذائية بالكامل، وتعتبر الفوائد الصحيّة هي الدافع الأساسي لدى الكثير من الناس للانتقال إلى النظام الغذائي النباتي، إضافة إلى الأسباب الأخرى مثل مواكبة الاتجاهات الجديدة، والرأفة بالحيوان، واتباع حميات غذائية.

إلا أن نسبة لا بأس بها بدأت تتجه إلى النظام الغذائي النباتي وذلك لحماية بيئة الأرض من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، إذ يشكل غاز الميثان أحد أهم الغازات الدفيئة التي تنتج عن تربية المواشي والدجاج وإنتاج اللحوم والمشتقات الحيوانية، ولتقليل مساحة الأراضي المستخدمة في المراعي وتوفير كميات كبيرة من المياه المستخدمة في دورة إنتاج الحليب ومشتقاته وإنتاج العلف اللازم لتغذية المواشي والدواجن.

لكن هل النباتيون حقاً أكثر صداقة مع البيئة وأقل ضرراً على الكوكب من متَّبعي النظام الغذائي القائم على اللحوم والألبان؟

أنواع النظام الغذائي النباتي
للنظام الغذائي النباتي أنواع عديدة، وتعدّد اختصاصية التغذية، إباء النشاش، في حديث مع TRT عربي، أكثر هذه الأنظمة شيوعاً وهي:

– النظام النباتي الأساسي (Vegan) والذي يمنع استهلاك المصادر الحيوانية كافة، من لحوم وحليب ومشتقاته والبيض والدواجن وكذلك المأكولات البحرية.

– نظام اللاكتو (Lacto vegetarian diet) أو نباتيو الحليب: وهو نظام يسمح باستهلاك الحليب ومشتقاته كالزبدة والأجبان والألبان، لكنه يمنع استهلاك اللحوم والدواجن والمأكولات البحرية والبيض وجميع المنتجات التي تحتوي على أيّ منها، ويعتبر نظاماً محدوداً بشكل كبير.

– نظام البيض (Ovo vegetarian diet) الذي يسمح باستهلاك البيض ويمنع استهلاك اللحوم، والدواجن، والحليب ومشتقاته.

– نظام الحليب والبيض (Lacto-Ovo) الذي يسمح بتناول الحليب ومشتقاته والبيض ويمنع استهلاك اللحوم والدواجن والأسماك.

وتوجد أنظمة أخرى كالتي تسمح باستهلاك الأسماك فقط من المصادر الحيوانية، والنظام شبه النباتي الذي يسمح بجميع المصادر الحيوانية، ولكن في أوقات محددة وبكميات قليلة، حسب النشاش.

ويتجه النباتيون إلى البحث عن بدائل للمنتجات الحيوانية تعوض من حيث القيمة الغذائية عن العناصر التي لا تتوفر مطلقاً في المنتجات النباتية أو تتوفر بنسب قليلة فيها.

وتنوّه خبيرة التغذية، إلى أن المصادر النباتية جيدة بمحتواها من العناصر الغذائية، لكن بعضها يجب استهلاكه بكميات أكبر للحصول على القيمة الغذائية نفسها مقارنة بالمصادر الحيوانية التي تزود الجسم بالعنصر الغذائي نفسه.

النظام الغذائي الحيواني والبيئة
قدّرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “FAO” في تقرير نشر عام 2015، إجمالي الانبعاثات العالمية الناتجة عن الثروة الحيوانية بنحو 6.19 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، بما يعادل 11.2% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة.

ووجدت دراسة نشرتها مدرسة أكسفورد مارتن التابعة لجامعة أكسفورد، عام 2016، أن التحول العالمي إلى الأنظمة الغذائية التي تعتمد بشكل أقل على اللحوم وأكثر على الفاكهة والخضراوات يمكن أن ينقذ ما يصل إلى 8 ملايين شخص بحلول عام 2050، ويقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بمقدار الثلثين، ويؤدي إلى وفورات متعلقة بالرعاية الصحية وتجنب الأضرار المناخية البالغة 1.5 تريليون دولار في الولايات المتحدة.

كما يؤكد تقرير صادر عن منظمة “غرينبيس” العالمية، في 2018، وجوب خفض الإنتاج والاستهلاك من اللحوم والألبان في العالم إلى النصف بحلول عام 2050 لتجنب تغير المناخ بشكل خطير، وإبقاء اتفاق باريس على المسار الصحيح، ويرى التقرير أنه إن لم يجرِ ضبط الزراعة المخصصة للإنتاج الحيواني، فمن المتوقع أن ينتج عنها 52% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية في العقود القادمة، 70% منها ستأتي من اللحوم ومنتجات الألبان.

هل النظام الغذائي النباتي صديق للبيئة؟
أفادت دراسة نشرت عام 2022 من قبل علماء من جامعة ستانفورد وجامعة كاليفورنيا في بيركلي، بأن التخلص التدريجي من المنتجات الحيوانية في جميع أنحاء العالم، جنباً إلى جنب مع التحول العالمي إلى نظام غذائي نباتي، من شأنه خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 68% حتى عام 2100.

وسيوفر هذا 52% من صافي خفض الانبعاثات اللازمة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، والتي يقول العلماء إنها الحد الأدنى المطلوب لتجنب تغيّر المناخ الكارثي.

إلا أن ثمة عدداً من النقاط التي تجب مراعاتها عند الحديث عن صداقة النظام الغذائي النباتي مع البيئة، إذ تستهلك بعض الزراعات كميات كبيرة من الموارد المائية، إضافة إلى استخدام مساحات واسعة من الأراضي على حساب الحياة البريّة، عدا عن الانبعاثات الغازية التي تصدر أيضاً عن الصناعات الغذائية والإنتاج الغذائي النباتي.

ووفقاً للصندوق العالمي للطبيعة، فإن فول الصويا هو ثاني أكبر أسباب إزالة الغابات في جميع أنحاء العالم بعد تربية الأبقار، وينتج عن فقدان الغابات فقدان الموائل الأصلية (البيئة الطبيعية) لعدد كبير من مكونات الحياة البرية، ويؤدي إلى تسريع تغير المناخ، وإطالة أمد الجفاف.

لكن على صعيد آخر، تعد تربية الماشية على نطاق واسع السبب الأول في إزالة الغابات، بنسبة 80% وهي مسؤولة عن إطلاق 340 مليون طن من الكربون في الغلاف الجوي كل عام، أي ما يعادل 3.4% من الانبعاثات العالمية الحالية.

وفيما يتعلق بانبعاثات الكربون أيضاً، تشير الأرقام إلى أن منتجات حليب اللوز، والشوفان، وفول الصويا، والأرز مسؤولة عن حوالي ثلث أو أقل من الانبعاثات الناتجة عن مكافئها من حليب المواشي، ويشكل اللوز أقل كميّة من المجموعة إذ ينتج عنه 0.7 كيلوغرام من الانبعاثات لكل لتر، يليه الشوفان 0.9 كغ/لتر، ثم فول الصويا 0.98 كغ/لتر، ثم الأرز 1.18 كغ/لتر، فيما يعد حليب المواشي مسؤولاً عن 3.15 كيلوغرام من الانبعاثات لكل لتر من الحليب.

أما من حيث استهلاك المياه، فإن حليب اللوز، يستهلك كمية أقل من المياه لإنتاجه مقارنة بالمنتج الحيواني، ورغم شراهته للماء فإن إنتاج لتر منه يتطلب في المتوسط 371 لتراً من الماء، وهو أقل من حليب المواشي الذي يستهلك 628 لتراً من المياه لكل لتر منه.

وتعتبر ثمرة الأفوكادو خياراً مثالياً للنباتيين، فهي مصدر غني بالبوتاسيوم والدهون والألياف المفيدة، إلا أن إنتاج هذه الثمرة يستهلك كميات كبيرة من المياه، وتقدِّر شبكة البصمة المائية أن إنتاج كيلوغرام واحد من الأفوكادو يتطلب 2000 لتر من الماء في المتوسط، ولا تثمر شجرة الأفوكادو حتى يبلغ عمرها 10 سنوات.

كما أن الإقبال الكثيف على الأفوكادو في السنوات الأخيرة دفع المنتجين إلى توسيع مساحة المزارع، مما تسبب في إزالة المزيد من الغابات، ويشير تقرير إلى إزالة نحو 20 ألف هكتار من الغابات وتحويلها إلى استخدامات زراعية في المكسيك، أكبر منتج للأفوكادو في العالم.

للزراعة تأثير كبير على البيئة من خلال حاجتها إلى كميات كبيرة من المياه العذبة، كما أنها محرك حاسم لتغير المناخ، وهي مسؤولة عن حوالي ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، إضافة إلى تأثيرها على الحياة البرية نظراً إلى استخدامها مساحات شاسعة من الأراضي، لكن على الرغم من هذه البصمة البيئية السيئة، فإن معظم استخدامات الزراعة تذهب إلى “الزراعة الحيوانية” أي تربية المواشي والدواجن، وتغذيتها وإنتاج الأعلاف، وإنتاج وتصنيع اللحوم.

ولذلك فإن النظام الغذائي النباتي لا يزال أكثر صداقة مع البيئة مقارنة بالنظام الغذائي الحيواني، ويبقى الترشيد في الاستهلاك، وحسن إدارة الموارد في كلا النظامين، الأساسَ للوصول إلى بيئة سليمة متوازنة ومستدامة للأجيال القادمة.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

خبراء يناقشون تعزيز أنظمة الرقابة للحد من مخاطر الغش الغذائي

استعراض أفضل الممارسات والتطورات العالمية – سعيد البحري: “الهيئة” تتبنى نهجاً متعدد الجوانب في سبيل …