البابا فرنسيس لـ«الاتحاد»: قيادة الإمارات مهتمّة ببناء المستقبل وسلام العالم

أقدر كثيراً التزام محمد بن زايد بمكافحة الأمراض في جميع أنحاء العالم

البيت الابراهيمي
-مكان لاحترام التنوع الذي اراده الله

-رسالة تشهد على أن الايمان يعني الحوار وليس الصراع

-اشكر كل عمل لجعله حقيقة واقعة

-واثق في انه سيصبح مركزاً للحوار الديني

وثيقة الأخوة الانسانية:
-ترياق يحتاجه العالم للشفاء من سم جروح الحروب والصراعات

-نور يرشد اصحاب النوايا الحسنة للسير على طريق التعايش

-اقدمها لضيوفي ويسرني تقبل المجتمع العالمي لرسالتها

-زايد بنى وطنه على التسامح والتعليم والشباب .. وأبناءه على النهج

-COP28 تلبية لـ “صرخة الأرض” وتقديم إجابات عن الأزمة البيئية

-كوكبنا “بيتنا المشترك” وأتمنى نجاح جهود الإمارات في حمايته

-علينا إيجاد حلول واقعية للمشاكل الحقيقية لأزمات المناخ قبل فوات الأوان

-إننا بحاجة اليوم إالى بناء سلام.. لا إلى محرضين على الصراعات

-رجال إطفاء لا إلى مشعلي النيران

-الدعاة للمصالحة.. لا إلى المهددين بالدمار

-“وثيقة الأخوة الانسانية” خارطة طريق لصناع السلام.. و “البيت الابراهيمي” دليل على شجاعة الإمارات

-“حادثة إحراق المصحف” تصرف مرفوض ومدان.. والحرية لا تعني الاسارة للآخر

-عظمة البلدان لا تقاس بالثروة . بل بدورها في نشر الأخوة والتعايش

-المعاملة بالمثل واحترام الآخر أساس مستقبل التعاون بين الأديان

-مهمتنا تحويل الحس الديني الى تعاون وأخوة وأعمال ملموسة للخير

-علينا ألا نترك الشباب وحدهم أمام إغراءات المادية والكراهية

-الشباب هم الحاضر والاستثمار فيهم يعني ضمان الاستمرارية

بابا الكنسية الكاثوليكية يحذر:
-إما حضارة الأخوة أو رجعية العداوة

-إما أن نبني المستقبل معاً.. أو لن يكون هناك مستقبل

رسالتي للشباب:
-كونوا بناة للسلام وليس صناعاً للموت أو العنف

-الايمان بالله يعني عالماً أفضل

-الدين عامل من عوامل التعايش والأخوة وليس التصادم والكراهية والعنف

 

– عبر “الاتحاد”: البابا يطمئن العالم على صحته ويؤكد : أفكر بجميع المرضى

– البابا فرنسيس عن زيارته التاريخية لأبوظبي: اتذكرها بفرح وامتنان

أعرب قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، عن تقديره العميق لدولة الإمارات العربية المتحدة، ودورها في نشر ثقافة السلام والتسامح والتعايش بالمنطقة والعالم، معتبراً أن عظمة أي بلد في العالم لا تقاس بالثروة فحسب، بل بدورها الملموس في نشر قيم السلام والأخوة والتعايش والدفاع عنها.

كما أعرب قداسته عن تقديره الكبير لالتزام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بدعم الجهود الدولية من أجل السلام والتسامح، معلقاً على ذلك بقوله: «إن الاستثمار في الثقافة يعزّز انحسارَ الحقد ويسهم في نموَّ الحضارة والازدهار».

وقال قداسته: «أقدّر كثيراً التزام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بمكافحة الأمراض في جميع أنحاء العالم، ونشر مبادئ (وثيقة الأخوة الإنسانية) من خلال مبادرات ملموسة تهدف إلى تحسين حياة المحرومين والمرضى. وإنني ممتن لسموه ولالتزام الإمارات بتحويل تعاليم الوثيقة إلى أعمال ملموسة… فالخير يجب أن يكون عالمياً، لأن الأخوة عالمية بطبيعتها». ووصف قداسته، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بأنه مثال رائع للقائد بعيد النظر الذي بنى وطنه على التسامح والتعايش والتعليم والشباب، مؤكداً أن أبناءه يسيرون على نهجه ذاته. جاء ذلك في أول حوار صحفي شرق أوسطي لقداسته مع منذ توليه سدة الحبرية البابوية، والأول أيضاً عقب خروجه من المستشفى وإجرائه عملية جراحية ناجحة.

وعبر «الاتحاد»، طمأن قداسته على صحته الملايين حول العالم وكل من صلى من أجله، في أعقاب العملية الجراحية التي أجريت له وتكللت بالنجاح، مضيفاً: «كان الأمر صعباً، ولكني الآن، والحمد لله، أحسن، وأفكر بجميع المرضى، وأدعو لهم بالشفاء العاجل، وأن يجدوا عبر ظلام المرض القوة لاكتشاف معنى الحياة ونور الإيمان وفرح الرجاء».

وفي حواره الموسع، أوضح قداسة بابا الكنيسة الكاثوليكية أهمية وثيقة الأخوة الإنسانية كخارطة طريق، وأثنى على مشروع البيت الإبراهيمي وعلى شجاعة الإمارات على تنفيذ هذا المشروع المهم تأكيداً لأهمية التعايش وثقافة الحوار والأخوة. واستذكر قداسته زيارته التاريخية لأبوظبي، بالقول: «أتذكر بفرح وامتنان كبيرين رحلتي إلى الإمارات العربية المتحدة في عام 2019 والترحيب الحار الذي تلقيته.. لقد تأثرت بشدة بالكرم والود الذي منحني إياه بلدكم العزيز»، مضيفاً «قلت في خطابي بأبوظبي: (أرى في بلدكم أنه لا يتمّ الاستثمار في استخراج موارد الأرض وحسب، بل أيضاً موارد القلب، أي في تربية الشبيبة)».

وفي هذا الصدد، قال قداسته: «إنني أقدر كثيراً التزام دولة الإمارات العربية المتحدة وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الدائم ببناء المستقبل وتشكيل هوية مفتوحة، قادرة على التغلب على إغراء الانغلاق على الذات والتصلب.. وفي دعم الجهود الدولية من أجل السلام والتسامح، لأن (الاستثمار في الثقافة يعزّز انحسارَ الحقد ويسهم في نموَّ الحضارة والازدهار)». وعن «وثيقة الأخوة الإنسانية»، قال قداسته: «أقدّمها إلى جميع الوفود التي استقبلها في الفاتيكان، لأنني أعتقد أنها نص مهم، ليس فقط للحوار بين الأديان، ولكن للتعايش السلمي بين جميع البشر. وأضاف: «يسرني جداً تقبل المجتمع العالمي وفهمه لرسالة الوثيقة وأهدافها بوصفها دليلاً للأجيال المقبلة، واعترافاً بأننا جميعاً أعضاء في أسرة بشرية واحدة». وتابع: «أودّ أن أقول: إن الوثيقة هي (نور) يرشد الجميع… وخارطة طريق لأي شخص يختار بشجاعة أن يكون صانع سلام في عالمنا الممزق من الحرب والعنف والكراهية والإرهاب، فالأخوة الإنسانية هي الترياق الذي يحتاجه العالم للشفاء من سم هذه الجروح». وفي أول تصريح حول حادثة إحراق المصحف الشريف والتي شهدتها السويد مؤخراً، قال قداسته: «إن السماح بهذا مرفوض ومدان»، مؤكداً أنه لا ينبغي استغلال حرية التعبير كذريعة للإساءة للآخرين، معرباً عن غضبه الشديد من مثل هذه التصرفات.

وقال قداسته: «مهمتنا تحويل الحس الديني إلى تعاون وأخوة وأعمال ملموسة للخير»، مضيفاً: «إنّنا بحاجة اليوم إلى بناة سلام، لا إلى صنّاع أسلحة.. بحاجة إلى بناة سلام، لا إلى محرّضين على الصراعات.. بحاجة إلى رجال إطفاء، لا إلى مُشعِلي النيران.. بحاجة إلى الدعاةِ، إلى المصالحة، لا إلى المهدّدين بالدمار…. فإما حضارة الأخوة أو رجعية العداوة.. إما أن نبني المستقبل معاً، وإما أنه لن يكون هناك مستقبل».

واعتبر قداسته أن مستقبل التعاون بين الأديان يقوم على أساس مبدأ المعاملة بالمثل واحترام الآخر والحقيقة.

وحول «البيت الإبراهيمي»، أعتبره مكاناً لاحترام التنوع الذي أراده الله.. ورسالة تشهد على أن الإيمان يجب أن يغذي مشاعر الخير والحوار والاحترام والسلام وليس مشاعر العنف أو التصادم أو الصراع أو الحرب.

وأعرب قداسته عن شكره لكل من عمل لجعل هذا المشروع حقيقة واقعة، وعن ثقته في أن هذا المكان سيصبح نموذجاً ومركزاً للحوار الديني وللتعايش بين الأديان. وأفرد قداسة بابا الكنيسة الكاثوليكية، في حواره، مساحة واسعة للشباب، داعياً إلى منحهم الأدوات اللازمة لحمايتهم من خطر الوقوع في صدامات شائنة، والرسائل السلبية والأخبار الكاذبة والمفبركة، وإغراءات المادية والكراهية والأحكام المسبقة، حاثّاً على عدم ترك الأجيال الجديدة وحدها في هذه المعركة.

واعتبر قداسته أن أهم هذه الأدوات هي الحرية والتمييز والمسؤولية، محذراً من معاملتهم كفتيان غير قادرين على الاختيار واتخاذ القرار؛ واصفاً إياهم بأنهم الحاضر، والاستثمار فيهم يعني ضمان الاستمرارية. وخاطب قداسته الشباب بالقول: «كونوا بناةً للسلام، وليس صُناعاً للموت أو العنف، ولتجدوا في الإيمان بالله المصدر والقوة لتصيروا أفضل، ولتجعلوا العالم مكاناً أفضل، وليكن الدين عاملاً من عوامل السلام والتعايش والأخوة، وليس أبداً من عوامل التصادم والكراهية والعنف».

ووصف مؤتمر الأطراف «كوب 28» الذي من المقرر انعقاده في الإمارات خلال الفترة من 30 نوفمبر وحتى 12 ديسمبر المقبل، بأنه نداء عاجل لتقديم إجابات عن الأزمة البيئية، وصرخة الأرض، معرباً عن أمله في أن تنجح جهود الدولة لصالح كوكبنا الذي هو «بيتنا المشترك»، داعياً إلى إيجاد حلول واقعية للمشاكل الحقيقية لأزمات المناخ قبل فوات الأوان.

وفيما يلي نص الحوار:
* بداية.. نريد أن نطمئن على صحتكم، بعد إجراء العملية الجراحية؟
** كان الأمر صعباً، ولكني الآن والحمد لله أحسن بفضل التزام ومهنية الأطباء وطاقم التمريض الذين أشكرهم كثيراً وأدعو لهم ولأسرهم ولجميع الأشخاص الذين كتبوا لي وصلّوا من أجلي في هذه الأيام.
وأفكر كذلك بجميع المرضى وأدعو لهم بالشفاء العاجل وأن يجدوا، عبر ظلام المرض، القوة لاكتشاف معنى الحياة ونور الإيمان وفرح الرجاء.

* وصفت قداستكم الإمارات بأنها مهد للتنوع وأرض للتسامح، كما وصفتم الزيارة التاريخية التي قمتم بها عام 2019 بأنها «صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين الأديان».. والسؤال:
كيف ترون دور الإمارات وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، كشريك أساسي في دعم جهود السلام والتسامح؟

** أتذكر بفرح وامتنان كبيرين رحلتي إلى الإمارات العربية المتحدة في عام 2019 والترحيب الحار الذي تلقيته.. لقد تأثرت بشدة بالكرم والود الذي منحني إياه بلدك العزيز.
لقد كان رائعاً ومشجعاً للغاية، كما قلت في خطابي بأبوظبي، أن أرى في بلدكم أنه «لا يتمّ الاستثمار في استخراج موارد الأرض وحسب، بل أيضاً موارد القلب، أي في تربية الشبيبة».
إنني أقدر كثيراً التزام دولة الإمارات العربية المتحدة وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الدائم ببناء المستقبل وتشكيل هوية مفتوحة، قادرة على التغلب على إغراء الانغلاق على الذات والتصلب.
والواقع أن عظمة أي بلد لا تقاس بثروته فحسب، بل قبل كل شيء بدوره الملموس في نشر السلام والأخوة والتعايش والدفاع عنها، وفي دعم الجهود الدولية من أجل السلام والتسامح، لأن الاستثمار في الثقافة يعزّز انحسارَ الحقد ويسهم في نموَّ الحضارة والازدهار.

* غالباً ما يجد الشباب أنفسهم محاطون برسائل سلبية وأخبار كاذبة، فكيف يقاومون الإغراءات المادية والكراهية والأحكام المسبقة؛ وكيفية مجابهة الظلم وكذلك تجارب الماضي المؤلمة؛ وكيف يتعلمون الدفاع عن حقوق الآخرين بنفس القوة التي يدافعون بها عن حقوقهم.

** إن الشباب سيحكمون علينا يوماً ما بطريقة جيدة، إذا أعطيناهم أساساً متيناً لخلق لقاءات حضارية جديدة؛ وبطريقة سيئة، إذا لم نترك لهم سوى السراب والتذبذب وخطر الوقوع في صدامات شائنة من الفظاظة.
في رأيي، الطريقة الوحيدة لحماية الشباب من الرسائل السلبية والأخبار الكاذبة والمفبركة، ومن إغراءات المادية والكراهية والأحكام المسبقة، هي عدم تركهم وحدهم في هذه المعركة، بل ومنحهم الأدوات اللازمة التي هي الحرية والتمييز والمسؤولية.
الحرية هي ما يميز الإنسان. لقد خلقنا الله أحراراً حتى لرفضه.. اليوم لم يعد بإمكاننا إجبار شبابنا على عدم التفكير، وطرح السؤال، والتشكك، لأن السؤال هو الطريق إلى الحقيقة، ولأن حرية الضمير وحرية العقيدة وحرية الفكر والتعبير هي أمور أساسية لمساعدتهم على النمو والتعلم.

شباب اليوم الذين يمسكون بأيديهم الهاتف الخلوي الذي يسمح لهم بالوصول إلى أي معلومات، لم يعد بإمكاننا إجبارهم وإرغامهم على العتمة والجهل والكراهية والانغلاق.
التمييز هو فن، إنه فن يمكن تعلمه وله قواعده الخاصة. إذا استطعنا تعلم التمييز جيداً، فإن هذا سيسمح لنا بالعيش بطريقة أكثر جمالاً وانسجاماً. التمييز هو أيضاً عطية من الله، يجب أن نطلبها دائماً، دون أن نفترض أبداً أننا خبراء ومكتفون ذاتياً. إنها تلك الملكة على التفرقة بين الخاطئ والصحيح، بين المزيف والأصيل، بين ما يجب أن نفعله ونفهمه ونتعلمه وما يجب علينا أن نتجنبه، ونبتعد عنه ونقاومه.

المسؤولية هي الوعي بكونك من صنّاع وبناة للمستقبل.. ويجب ألا نقع أبداً في تجربة معاملة الشباب كفتيان غير قادرين على الاختيار واتخاذ القرار؛ إنهم الحاضر، والاستثمار فيهم يعني ضمان الاستمرارية.
إن مؤسس وطنك العزيز الشيخ زايد، طيب الله ثراه، هو مثال رائع للقائد بعيد النظر الذي بنى وطنكم على التسامح والتعايش والتعليم والشباب، وأولاده، حفظهم الله، يسيرون على نهجه.
يمكننا محاربة الكراهية والأحكام المسبقة والتصادم والظلم فقط من خلال شجاعة اختيار طريق الحب والتسامح والعدالة والحوار والانفتاح والأخوة الإنسانية، واتباع القاعدة الذهبية: «افعل للآخرين ما تريدهم أن يفعلوه بك».

* تعهدتم في وثيقة الأخوة الإنسانية بالعمل على إيصال الوثيقة إلى صنّاع القرار العالمي والمنظمات الدولية والإقليمية المعنية، وبالفعل أهديتموها إلى الرئيس الأميركي، كما أقرتها الأمم المتحدة واعتمدت يوم الـ4 من فبراير يوماً للأخوة الإنسانية، فكيف تصفون رؤية المجتمع العالمي وإدراكه لرسالة وأهداف الوثيقة، باعتبارها دليلاً للأجيال القادمة واعترافاً بأننا جميعاً أفراد أسرة إنسانية واحدة؟ وما هو مستقبل التعاون بين الأديان؟

** أقدم وثيقة الأخوة الإنسانية إلى جميع الوفود التي استقبلها في الفاتيكان لأنني أعتقد أنها نص مهم ليس فقط للحوار بين الأديان، ولكن للتعايش السلمي بين جميع البشر.
فإما حضارة الأخوة أو رجعية العداوة إما أن نبني المستقبل معاً، وإما أنه لن يكون هناك مستقبل.

ويسرني جداً تقبل المجتمع العالمي وفهمه لرسالة الوثيقة وأهدافها بوصفها دليلاً للأجيال المقبلة، واعترافاً بأننا جميعاً أعضاء في أسرة بشرية واحدة، كي تصبح الوثيقة ثقافة على نحو متزايد».
وأود أن أقول: «إن الوثيقة هي نور يرشد جميع الرجال والنساء ذوي النوايا الحسنة للسير على طريق التعايش واللقاء.. إنها خارطة طريق لأي شخص يختار بشجاعة أن يكون صانع سلام في عالمنا الممزق من الحرب والعنف والكراهية والإرهاب.
الإخوة الإنسانية الترياق الذي يحتاجه العالم لشفاء نفسه من سم هذه الجروح.

يقوم مستقبل التعاون بين الأديان على أساس مبدأ المعاملة بالمثل واحترام الآخر والحقيقة.. فرسالة كل دين ليست بالطبع مجرد الدعوة إلى فضح الشرّ وحسب؛ بل تتضمّن الدعوة إلى تعزيز السلام، ومهمّتنا، دون الاستسلام إلى توفيقيّة تصالحيّة، هي أن نصلّي بعضنا لبعض سائلين الله نعمة السلام، وأن نتلاقى، ونتحاور ونوطّد الانسجام بروحٍ من التعاون والصداقة.

ومهمتنا هي تحويل الحس الديني إلى تعاون، إلى أخوة، إلى أعمال ملموسة للخير.
إنّنا بحاجة اليوم إلى بناة سلام، لا إلى صنّاع أسلحة؛ إنّنا بحاجة اليوم إلى بناة سلام، لا إلى محرّضين على الصراعات؛ إننا بحاجة إلى رجال إطفاء، لا إلى مُشعِلي النيران؛ إننا بحاجة إلى الدعاةِ إلى المصالحة، لا إلى المهدّدين بالدمار».

* نصت الوثيقة التي وقعتموها مع فضيلة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، على أن من شأن الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح والتعايش أن يسهم في احتواء كثيٍر من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية التي تُحاصر جزءاً كبيراً من البشر.. فما هو تقييمكم للجهود المبذولة في هذا الشأن حتى الآن، وما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحقيق ذلك؟

** تبدأ الوثيقة بهذه الجملة الجوهرية، والتي هي أساس الوثيقة بأكملها: «يحملُ الإيمانُ المؤمنَ على أن يَرَى في الآخَر أخاً له، عليه أن يُؤازرَه ويُحبَّه.. وانطلاقاً من الإيمان بالله الذي خَلَقَ الناسَ جميعاً وخَلَقَ الكونَ والخلائقَ وساوَى بينَهم برحمتِه، فإنَّ المؤمنَ مَدعُوٌّ للتعبيرِ عن هذه الأُخوَّةِ الإنسانيَّةِ بالاعتناءِ بالخَلِيقةِ وبالكَوْنِ كُلِّه، وبتقديمِ العَوْنِ لكُلِّ إنسانٍ، لا سيَّما الضُّعفاءِ منهم والأشخاصِ الأكثرِ حاجَةً وعَوَزاً»..

بهذه الطريقة فقط يمكننا أن نكرم الله، أي باعتبار أنفسنا إخوة وأخوات ليس بالأقوال ولكن بالأفعال وبالأعمال الخيرية، خاصة تجاه إخواننا وأخواتنا المحتاجين والفقراء.

من السهل التحدث عن الأخوة، ولكن المقياس الحقيقي للأخوة هو ما نفعله حقاً وبطريقة ملموسة لتقديم المساعدة والدعم والمؤازرة والعون والإطعام والترحيب بإخوتي وأخواتي في الإنسانية.
إن كل خير بطبيعته يجب أن يوجه للجميع من دون تفرقة. إذا فعلتُ الخير فقط لأولئك الذين يفكرون أو يؤمنون مثلي، فإن خيري هو نفاق، فالخير لا يعرف التمييز والإقصاء.

ويسعدني هنا أن أشجع الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي ولدت من الوثيقة والتي تقدم خدماتها للجميع دون أي تمييز أو إقصاء.

* كيف يمكن ترسيخ ثقافة التسامح في حياة البشر وتعاملاتهم اليومية، بحيث يكون مرادفاً للخير والنماء، ونابذاً للكراهية والعنصرية والتعصب؟ وكيف تسهم التشريعات والقوانين في ترسيخ قيم التسامح ونبذ الكراهية والتعصب؟

** يمكن ترسيخ «ثقافة التسامح» في حياتنا اليومية من خلال التعليم والالتزام الاجتماعي والديني.
سيصبح التسامح حقيقة واقعة عندما نتعلم احترام الاختلافات واعتبارها غنى وليس خطراً.. عندما نتعلم، كما تنص وثيقة الإخوة الإنسانية، أن «الله لم يَخْلُقِ الناسَ ليُقَتَّلوا أو ليَتَقاتَلُوا أو يُعذَّبُوا أو يُضيَّقَ عليهم في حَياتِهم ومَعاشِهم، وأنَّه – عَزَّ وجَلَّ – في غِنًى عمَّن يُدَافِعُ عنه أو يُرْهِبُ الآخَرِين باسمِه.

* حذرت الأمم المتحدة من أن تهديد الإرهاب قد ازداد وأصبح أكثر انتشاراً في مناطق مختلفة من العالم بمساعدة التكنولوجيا الجديدة، فما هي رسالتكم للأشخاص من كل الأديان، خصوصاً الشباب الذين يعملون من أجل تعزيز السلام حول العالم والتصدي للإرهاب ونبذ الكراهية؟

** لتكونوا «بناةً للسلام» وليس أبداً صُناعاً للموت أو العنف. لتجدوا في الإيمان بالله المصدر والقوة لتصيروا أفضل ولتجعلوا العالم مكاناً أفضل. ليكن الدين عاملاً من عوامل السلام والتعايش والأخوة، وليس أبداً من عوامل التصادم والكراهية والعنف. «إنَّ هَدَفَ الأديانِ الأوَّلَ والأهمَّ هو الإيمانُ بالله وعبادتُه، وحَثُّ جميعِ البَشَرِ على الإيمانِ بأنَّ هذا الكونَ يَعتَمِدُ على إلهٍ يَحكُمُه، هو الخالقُ الذي أَوْجَدَنا بحِكمةٍ إلهيَّةٍ، وأَعْطَانَا هِبَةَ الحياةِ لنُحافِظَ عليها، هبةً لا يَحِقُّ لأيِّ إنسانٍ أن يَنزِعَها أو يُهَدِّدَها أو يَتَصرَّفَ بها كما يَشاءُ، بل على الجميعِ المُحافَظةُ عليها منذُ بدايتِها وحتى نهايتِها الطبيعيَّةِ؛ لذا نُدِينُ كُلَّ المُمارَسات التي تُهدِّدُ الحياةَ؛ كالإبادةِ الجماعيَّةِ، والعَمَليَّاتِ الإرهابيَّة، والتهجيرِ القَسْرِيِّ، والمُتاجَرةِ بالأعضاءِ البشَرِيَّةِ، والإجهاضِ، وما يُطلَقُ عليه الموت (اللا) رَحِيم، والسياساتِ التي تُشجِّعُها». كما جاء في الوثيقة.

* قمتم قداستكم مع الإمام الأكبر وقادتنا بتوقيع حجر الأساس لـ «البيت الإبراهيمي» المشروع الذي ولد من رحم وثيقة الأخوة الإنسانية.. لقد كان مجرد فكرة والآن أصبح حقيقة واقعة.. فما رأي قداستكم في هذا المشروع؟ وماذا عن حقيقة أن الإمارات قامت بتنفيذه في وقت قصير؟ وهل التعايش بين الأديان ممكن؟

** في رسالتي بالفيديو التي أرسلتها في حفل افتتاح البيت الإبراهيمي قلت: «ولد البيت الإبراهيمي – المكون من ثلاثة أماكن للعبادة: كنيسة مكرسة للقديس فرنسيس ومسجد وكنيس يهودي – لتحقيق مبدأ الأخوة الإنسانية».
إنه مكان للعبادة حيث يرفع فيه كل مؤمن يديه إلى السماء، ويمارس التعايش في التنوع وفي الاحترام المتبادل بين المؤمنين.. إنه رسالة تشهد على أن الإيمان بالله يجب أن يغذي فقط مشاعر الخير والحوار والاحترام والسلام وليس أبداً مشاعر العنف أو التصادم أو الصراع أو الحرب.

البيت الإبراهيمي هو مكان لاحترام التنوع، والذي أراده الله، وعدم تحويل الاختلاف إلى ازدراء أو سبب للصراع.
إنه مكان التعايش والتسامح والإيمان.. فبإمكان كل منا أن يعيش إيمانه باحترام لإيمان الآخر ولحرية البشر.. فقط أولئك الذين ليسوا على يقين من إيمانهم يعيشون في الخوف من الالتقاء بالآخر ويهرعون إلى المواجهة. فالمؤمن الأصيل يعيش إيمانه دون أن يشعر بالتهديد من قبل الآخرين ودون الحاجة إلى تهديد الآخرين.

وقد تم تصميم وبناء البيت الإبراهيمي ليكون نموذجاً للتعايش في التنوع. مكان يجد فيه كل مؤمن – مع الاحترام التام لإيمانه وتقاليده وعاداته – قيم السلام والتسامح والأخوة ويعيشها.
أشكر بحرارة هنا جميع الأشخاص الذين عملوا بتفانٍ والتزام لجعل هذا المشروع حقيقة واقعة. وأنا متأكد من أن هذا المكان سيصبح نموذجاً ومركزاً للحوار الديني وللتعايش بين الأديان.

* ما تعليق قداستكم على حادثة إحراق المصحف الشريف التي وقعت مؤخراً في السويد؟ وما شعوركم تجاه مثل هذه التصرفات المشينة؟

** أشعر بالغضب والاشمئزاز من هذه التصرفات، فأي كتاب يعتبر مقدساً من أصحابه يجب أن يُحترم احتراماً للمؤمنين به، ويجب أبداً عدم استغلال حرية التعبير كذريعة لاحتقار الآخرين، والسماح بهذا مرفوض ومدان.

* أكدتم مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على التعاون لمكافحة الأمراض في العالم، بمناسبة توقيع الإعلان المشترك حول الصحة العالمية، والذي سلط الضوء على مكافحة الأمراض المدارية المهملة، وكذلك على «صندوق بلوغ الميل الأخير».. والسؤال:
* كيف تقدرون هذه الجهود، وما ترنو إليه لتعزيز رفاهية المجتمعات وتحقيق أهداف التنمية العالمية؟

** إنني أقدر كثيراً التزام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بمكافحة الأمراض في جميع أنحاء العالم ونشر مبادئ وثيقة أبوظبي من خلال مبادرات ملموسة تهدف إلى تحسين حياة إخواننا وأخواتنا المحرومين والمرضى.
وإنني ممتن لسموه ولالتزام الإمارات بتحويل تعاليم الوثيقة إلى أعمال خير أخوية ملموسة.. الأعمال التي تشمل الجميع وتخدمهم، لأنه، كما قلت للتو، يجب أن يكون الخير بطبيعته عالمياً، لأن الأخوة عالمية.

* دعوتم قداستكم في أكثر من مناسبة لإيجاد حلول عالمية للتحديات الكبيرة التي يضعها التغير المناخي، وطالبتم بحماية بيتنا المشترك وتحسين الكوكب الذي نعيش فيه عبر إحداث تغييرات عميقة في أساليب الحياة.. وتستضيف دولة الإمارات العام الجاري مؤتمر الأطراف «كوب 28»، كما أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان 2023 عام الاستدامة في الدولة، فكيف تقيمون جهود الإمارات في هذا الشأن، وما هي رسالتك للعالم لحماية كوكب الأرض؟

** في رسالتي البابوية «Laudato si» حول رعاية بيتنا المشترك، «حاولت أن أسأل عن نوع العالم الذي نريد أن نتركه لأولئك الذين سيأتون بعدنا، للأطفال الذين يكبرون.
إن COP27 الذي عقد في مصر وCOP28 في الإمارات العربية المتحدة هي مناسبات أساسية لإسماع صوت النداء العاجل ولتقديم إجابات عن الأزمة البيئية وعلى صرخة الأرض وصرخة الفقراء الذين لم يعودوا يستطيعون الانتظار.
فلنعتني بالخليقة، عطية إلهنا الصالح.. أشجع الإمارات العربية المتحدة في جهودها، وأتمنى لها نجاحاً كبيراً لصالح كوكبنا الذي هو «بيتنا المشترك». إن الطريق الوحيد الفعال لمواجهة هذه الأزمة هو إيجاد حلول واقعية للمشاكل الحقيقية للأزمة الإيكولوجية. يجب أن نحول التصريحات إلى إجراءات قبل فوات الأوان.

المصدر، جريدة الاتحاد، حوار: حمد الكعبي 3 يوليو 2023 01:03

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

البابا فرنسيس يستقبل أعضاء لجنة تحكيم جائزة زايد للأخوة الإنسانية 2023

شبكة بيئة ابوظبي، الفاتيكان، روما، 9 يناير، 2023 استقبل قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، …