موقع العرب في معركة الصين وأمريكا على “العناصر النادرة”

المصدر، خاص “عروبة 22″، القاهرة، أحمد شوقي العطار، 28 يوليو 2023

خلال حديثه عن مستقبل التنمية ببلاده عام 1992، أطلق الزعيم الصيني السابق دنغ شياو بينغ عبارته الشهيرة التي تداولتها العديد من مراكز الأبحاث الدولية فيما بعد “الشرق الأوسط لديه النفط، والصين لديها عناصر الأرض النادرة”.

ربما لم ينتبه العالم لحقيقة ما تعنيه هذه العبارة المقتضبة سوى في العقد الأخير، عندما قرر مواجهة تغيّر المناخ بشكل حاسم عبر خطط موسعة للتحوّل من الطاقة الأحفورية، التي تسبّبت انبعاثاتها التاريخية في الاحترار العالمي المتفاقم الآن، إلى الطاقة النظيفة الخضراء.

موقع العرب في معركة الصين وأمريكا على
اللهاث العالمي بشأن التحوّل للطاقة النظيفة، من المتوقع أن يمنح الصين نفوذًا اقتصاديًا كبيرًا في المستقبل القريب، على حساب الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عمومًا، وفقًا لخبراء أكدوا أنّ الوصول للعناصر الأرضية النادرة، الضرورية لهذا التحوّل، سيصبّ في صالح العملاق الآسيوي.

عرّف الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية، العناصر الأرضية النادرة بأنها “معادن أرضية نادرة تشكل مجموعة من 17 عنصرًا كيميائيًا مهمًا للغاية من عناصر الجدول الدوري”. قد تتسبب هذه العناصر في أن يصبح التحوّل الأخضر من ساحات حرب الهيمنة الاقتصادية بين واشنطن وبكين، ما قد يؤدي إلى تضخّم آثار تغيّر المناخ، ويدفع لانتكاسة التقدّم في خفض انبعاثات الكربون، وهو أمر سينعكس سلبًا على البلدان النامية، ومن بينها بعض دول المنطقة العربية، التي تعد الأكثر تأثرًا بآثار تغيّر المناخ، وفق تقرير التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ.

حرب المعادن النادرة
تدرك بكين جيدًا أنّ لديها ورقة رابحة في جعبتها فيما يخص الأتربة النادرة، وأنه يمكنها تقييد وصول الغرب إلى المعادن الحيوية، كما حدث بالفعل في عام 2010، عندما حظرت تصدير الأتربة النادرة إلى طوكيو وسط صراع على الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي.

منذ ذلك الحين، أصبحت تهديدات بكين أكثر وضوحًا وعلانيةً في هذا الصدد، وفي عام 2019، قام الزعيم الصيني شي جين بينغ بزيارة منجم للأتربة النادرة في مقاطعة جيانغشي الجنوبية الشرقية.

كان هدف الزيارة هو الإشارة إلى أنّ الصين تتمتع بنفوذ كبير على الولايات المتحدة في شكل المعادن والأتربة النادرة، وهو ما عبّرت عنه صحيفة صينية حكومية بوضوح في عنوانها الرئيسي لتقرير غطى الزيارة: “لا تقل إننا لم نحذّرك”.

إدراك واشنطن لخطورة الوضع دفع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، لتحذير الغرب من أن “سلاسل توريد الطاقة النظيفة معرّضة لخطر التسليح بطريقة النفط نفسها في سبعينيات القرن العشرين، أو الغاز الطبيعي في أوروبا في عام 2022″، مشيرًا في تصريح أدلى به في أبريل الماضي إلى أنّ هناك “معركة اقتصادية كبيرة تلوح في الأفق”.

تسيطر الصين على 37 في المائة من احتياطيات الأرض النادرة، و59 في المائة من الإنتاج العالمي، وما يقرب من 85 في المائة من قدرة المعالجة العالمية. وتعد هذه المواد ضرورية لبناء توربينات الرياح والألواح الشمسية.

كما تسيطر الصين وميانمار على مائة في المائة من الإنتاج العالمي من معدن الديسبروسيوم، وهو من أكثر هذه المعادن أهمية، لأنه ضروري لصناعة المغناطيس المستخدم في توربينات الرياح.

وتحتكر الصين أيضًا حوالى 13 في المائة من الإنتاج العالمي من الليثيوم، وهو معدن بالغ الأهمية لبطاريات السيارات الكهربائية.

تمتلك أميركا 1% من احتياطيات العالم من الأتربة النادرة… والصين تهيمن على قطاع معالجة تلك المعادن

على النقيض من ذلك، تمتلك الولايات المتحدة 1 في المائة فقط من احتياطيات العالم المعروفة من الأتربة النادرة. وتفتقد للإمكانات المتقدمة التي تخصّ قطاع معالجة تلك المعادن، وهو قطاع تهيمن الصين عليه أيضًا، لدرجة أنّ منجم الأتربة النادرة الأمريكي يرسل إنتاجه إلى الصين للمعالجة بشكل دوري.

بالتوازي، يمكن لروسيا أيضًا استخدام قطاع التعدين كوسيلة ضغط على الدول الغربية، حيث تمتلك احتياطيات ضخمة من المعادن التي ستكون حاسمة لانتقال الطاقة، كالنيكل (لبطاريات الليثيوم أيون)، والبلاديوم (للتفاعلات الحفازة)، والنحاس (للشبكات الكهربائية).

يظهر سلوك روسيا منذ غزوها لأوكرانيا أنّ الكرملين لن يتوانى عن استخدام هذه المعادن كسلاح ضد الغرب.

ويمكن أن تهدّد روسيا بوقف إمداد الغرب بهذه المعادن، كما هدّدت أكثر من مرة بوقف الإمدادات الغذائية عن الجنوب العالمي للحصول على تنازلات من الدول الغربية بشأن الحرب في أوكرانيا.

الانقسام إلى معسكرين
التحوّل العالمي للطاقة سيصعّد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على الهيمنة الاقتصادية، وستكون ضوابط التصدير هي عقوبات الغد. وستشكّل المعادن النادرة وأشباه الموصلات، وهي مكونات إلكترونية صغيرة تعمل على تشغيل جميع الأجهزة الإلكترونية وكذلك المعدات العسكرية، جوهر المعركة المرتقبة.

تسعى ضوابط التصدير الأمريكية الأخيرة إلى الحد من قدرة الصين على الوصول إلى أشباه الموصلات من الدرجة الأولى في محاولة لإبطاء التقدم التكنولوجي والعسكري لبكين. وسيكون لهذه التدابير تأثير على تطوير الصين للتكنولوجيات النظيفة؛ إذ يتطلب تصنيع الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والشبكات الذكية أشباه الموصلات. ويمكن للصين أيضًا أن تحد من صادراتها من المواد النادرة، والألواح الشمسية، وهي المورّد العالمي الرئيس لهذه الألواح.

الفيزيائي البرازيلي والخبير الدولي في تحوّل الطاقة هيكتور كوستا، يقول، إن السيناريو الأكثر احتمالًا على المدى الطويل هو فصل التكنولوجيا بين البلدين، لا سيما بالنسبة إلى رقائق التكنولوجيا الفائقة.

وبحسب كوستا، ليس لدى الولايات المتحدة ودول الغرب في هذه الحالة سوى عدد قليل من الخيارات لتلبية الطلب المستقبلي على الطاقة النظيفة، “إما بناء المناجم وتنفيذ عمليات تعدين غير مسبوقة، وهو خيار صعب ومكلف ويستغرق وقتًا طويلًا وملوثًا، أو بدفع استثماري كبير نحو أفريقيا، التي تمتلك احتياطيات ضخمة من المعادن النادرة، الكونغو، على سبيل المثال”.

تفتّت المشهد التكنولوجي العالمي للصناعات النظيفة سيكون له عواقب وخيمة في الاقتصادات النامية
ويضيف الخبير البرازيلي في حديثه لـ”عروبة 22″: “لن يكون الخيار الثاني سهلًا أيضًا بأي حال من الأحوال، فالمنافسة وقتها ستزداد شراسة، لأنّ الصين وروسيا تحرزان أيضًا تقدّمًا في القارة السمراء”، لافتًا إلى أنه في عام 2020، اشترت الصين ما يقرب من نصف صادرات أفريقيا من المعادن.

تأثّر الدول العربية
وفيما يخص التأثير المتوقع على الدول العربية يقول كوستا: “بشكل عام، في حال تفتت المشهد التكنولوجي العالمي للصناعات النظيفة بين كتلة تقودها الولايات المتحدة ومجال تهيمن عليه الصين. سيكون لذلك عواقب وخيمة على التحوّل الأخضر، لا سيما في الاقتصادات النامية، ومن بينها بالطبع بعض الدول العربية”.

ويرى كوستا أنّ ظهور سلاسل التوريد المزدوجة للتكنولوجيا النظيفة- التي ستخدم الأسواق التي يهيمن عليها الغرب أو الصين- سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار والتأخير وانتشار المعايير التقنية التي قد لا تتوافق مع بعضها البعض، وستؤثر هذه الأزمات بشكل رئيس على الدول العربية النامية، وتحديدًا البلدان ذات الدخل المنخفض… “إذ لن تتمكن العديد من دول المنطقة، باستثناء دول الخليج، من تحقيق التحوّل الأخضر في منظومة الطاقة الخاصة بها”، يردف كوستا؛ مشيرًا إلى أن بعض دول المنطقة العربية -خاصة ذات الاقتصادات الضعيفة- قد تضطر للانحياز لمعسكر واحد على حساب الآخر، بهدف الوصول على المواد الضرورية بأسعار معقولة، كي تضمن اللحاق بالركب.

وعلى النقيض من هذه الرؤية، يرى الخبير في اقتصاديات النفط والطاقة، نهاد إسماعيل، أنّ هذا الصراع، الذي قد يسفر عنه ظهور سلاسل توريد مزدوجة للتكنولوجيا النظيفة يهيمن عليها الغرب والصين، سيخدم بعض الأسواق العربية.

ويشير إسماعيل لـ”عروبة 22″ إلى أن التوترات بين واشنطن وبكين بشأن العناصر النادرة قد يصب في مصلحة اقتصادات المنطقة العربية، “إذا انتبهت بلدانها لطبيعة التحدي وكيفية التعامل معه، وهو ما بدأت تدركه دول الخليج تحديدًا”.

فقد أدركت دول الخليج منذ فترة أنّ “الصين أصبحت أهم مصدر لمكوّنات الطاقة الشمسية، لذلك حرصت خلال السنوات الأخيرة على التعاون والتقارب وعمل الشراكات مع بكين لتأمين هذه المكونات والمواد اللازمة لتنفيذ هذه المشاريع، حتى أصبحت الطاقة واحدة من أهم ركائز التعاون الخليجي الصيني مؤخرًا”، يضيف الخبير العربي، مؤكدًا على أنّ الصين تدرك أنه من مصلحتها التعاون مع الدول العربية، وترسيخ نفسها في الأسواق العربية بما تنفرد به من معادن ومواد مطلوبة لتحوّل الطاقة.

وعززت الصين من حضورها في المنطقة العربية بشكل ملفت، بخاصة في مجال الطاقة المتجددة، وسط توقعات بضخ حوالى 175 مليار دولار من استثمارات الطاقة النظيفة الصينية في المنطقة، العقد المقبل، وفق شركة Alcazar Energy، أكبر شركات الطاقة المتجددة بالصين.

المهم بالنسبة إلينا كعرب أن نستعدّ ونحسب خطواتنا حتى نعلم أين سنضع أقدامنا في خريطة الصراع المرتقبة
ويرى إسماعيل أنّ الصين، باعتبارها أكبر شريك تجاري لعدد من دول مجلس التعاون الخليجي، ومستثمر كبير في صناعة الطاقة المتجددة وتطويرها بدول الخليج، ومستفيدة من هذا النشاط الحيوي المربح تجاريًا وسياسيًا في منافستها الجيوسياسية مع الولايات المتحدة، ستعمل ما في وسعها لتأمين المواد والعناصر الضرورية لتحقيق أهداف التعاون مع شركائها الخليجيين في مجال الطاقة المتجددة.

لكنه يستدرك قائلًا: “هذا لن يخلو من سلبيات، فربما التنافس الصيني الأمريكي يضع دول الخليج في موقف صعب، لأنها ستعمل على خلق توازن بين العلاقة التاريخية مع الولايات المتحدة، والاستمرار في تقوية العلاقات مع الصين لتطوير صناعة الطاقة المتجددة”.

لا تزال المنافسة على العناصر النادرة اللازمة للتحوّل إلى الطاقة النظيفة في بداياتها، ومن المتوقع أن تتطوّر المنافسة إلى صراع في المستقبل القريب. المهم بالنسبة إلينا كعرب أن نستعدّ ونحسب جيدًا خطواتنا حتى نعلم أين سنضع أقدامنا في خريطة الصراع المرتقبة.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

رؤية الشيخ زايد.. موروث ثقافي يساهم في حماية البيئة وتعزيز استدامتها

حملة “استدامة وطنية” تبرز نهج وإرث الوالد المؤسس في مجال الاستدامة. • اهتمام الوالد المؤسس …