الرد على الحلقة الثانية من بودكاست بعنوان (ما هي التحديات الحالية التي تواجه قطاع التمويل الأصغر؟)، 05 فبراير 2021، (findevgateway.org/ar)
شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير مستشاري برنامج الخليج العربي للتنمية، أجفند. 21 أغسطس 2023
قرأت بالصدفة حديث ركز فيه متحدثين على تأخر المنطقة العربية في اللوائح التنظيمية للقطاع (المالية والرقمنة) لذلك لا زال جزء كبير منه قطاع منظمات غير حكومية وقطاع أقراض أصغر فقط وليس شمول مالي. كما أشاروا إلى الأزمات والحروب وتأثيرها على أداء القطاع. وبسبب ضعف الإطار القانوني لا توجد منتجات الادخار والتأمين في المنطقة العربية. على الرغم من مرور بعض الوقت منذ تاريخ الحلقة ولكن لم يطرأ تغيير يذكر على هذا الرد باختلاف الزمن. ونشكر للبوابة والمتحدثين على الإهتمام بتناول هذه الموضوعات المهمة. ولكن نرى من المهم التعليق على النقاط التي أثيرت أعلاه بالتفصيل.
في البدء نرى أن قطاع التمويل الأصغر في المنطقة العربية بدأ يتحرك ولا ينبغي الحكم عليه من وقائع الماضي. كما نري أهمية الإطلاع على البحوث ومواقع المنظمين للقطاع لمعرفة التطور الذي يحدث قبل الحكم عليه، لأن الرؤي التي جاءت من المتحدثين ترجع لفترة سابقة وتتفق مع نتائج دراسة قديمة قام بها صندوق الأمم المتحدة لرأس المال بعنوان: التمويل الأصغر في الدول العربية: بناء قطاع مالي شامل، المنشورة في يناير 2004، أي قبل نحو 20 عاما. ولكن خلال هذه الفترة الطويلة منذ إصدار هذه الدراسة تغير وجه القطاع وتشريعاته كثيرا بحيث كان ينبغي الإشارة لهذه التطورات عبر الزمن. نعم المنطقة العربية أقل من مثيلاتها في مسألة التشريعات والسياسات ولكن هنالك بعض التطور في التشريعات ولذلك فإن الحديث عن ضعف الأطر التنظيمية للقطاع في المنطقة العربية حديث عام لا ينطبق على كل الدول وينبغي التفصيل فيه. هنالك اختلافات بين الدول في المنطقة العربية وبشكل واضح، كما هو الحال من نتائج الدراسة التي قام بها كاتب هذا المقال وتم نشرها في العام 2021 حول الأطر التنظيمية والتشريعات الإشرافية والقانونية للتمويل الأصغر في العالم العربي وجد أن دولا مثل مصر والسعودية والسودان والبحرين واليمن وسوريا وتونس وموريتانيا حققت أغلب متطلبات التشريعات العالمية في القطاع (تعريف الجهةالمستهدفه، أسس الترخيص للمؤسات، السلامة المالية ومخاطر السيوله، خدمات التحويلات والتأمين والتمويل بالجملة وضمان الودائع و الإستعلام الإئتماني، والحوكمة الرشيدة في المؤسسات وحماية الزبائن والحوافز الضريبية وغيرها) ، إلا أن هنالك بعض الأسس القليلة ينبغي استكمالها أو تحديثها عبر الزمن، خاصة في حماية الزبائن وخدمات التحويلات و التأمين وضمان الودائع والإستعلام والحوافز. والدول التي حدثت أطر تشريعاتها هي مصر والسودان والمغرب وموريتانيا وتونس ولبنان والسعودية والعراق وكلها لمرة واحدة، بينما حدثت المغرب تشريعاتها ثلاثة مرات. ولكن حسب متابعتنا فإن عملية التحديث للسياسات في مصر والسودان تجري بصورة مطردة وسنوية، متخطية بذلك الإطار الرقابي والتنظيمي الذي يتغير بعد عدة سنوات.
جميع الدول العربية وضعت شروط للسلامة المالية باستثناء دولة واحدة، لكن هنالك ضعف في تشريعات التحويلات والتأمين والتمويل بالجملة للمؤسسات، وضمان الودائع و الإستعلام الإئتماني . وتعد حماية الزبائن والمودعين غائبة تماما. فضلا عن غياب بعض جوانب الحوكمة الخاصة بشروط تأهيل أعضاء مجالس الإدارة وشروط تكوين لجان المجالس . ولم تسمح بعض الأطر الرقابية والتنظيمية في الوقت الحالي للمؤسسات بقبول ودائع الجمهور التي تشكل جانبا هاما في تكوين محافظ تمويل داخلية. أغلب الدول العربية جعلت البنك المركزي المشرف على القطاع، بينما هنالك دولا مثل العراق لها جهات رقابية متعددة حيث أن بعض مؤسساتها مسجله لمنظمات غير حكومية ، بينما انتقل المغرب من وزارة المالية للبنك المركزي كجهة رقابية وتنظيمية. ودول عربية أخرى ليس لديها جهة رقابية وإشرافية محددة.
أما الحديث عن أن قطاع التمويل الأصغر في المنطقة العربية قطاع إقراض أصغر لا ينطبق على كل المؤسسات والدول. ففي السودان وسوريا واليمن والمغرب هنالك خدمات تأمين وادخار. وهناك تشريع للتأمين الأصغر في تونس والمغرب وسوريا وهيئة لضمان الودائع باليمن . وفي السودان تقوم المؤسسات والبنوك بالإضافة للإقراض بمنتجات الإدخار الطوعي والإجباري والتأمين في تمويلاتها للأفراد وللتمويلات بالجملة من المصارف وضماناتها فضلا عن الإستعلام الإئتماني ، بما في ذلك بنك الإبداع التابع لبرنامج الخليج العربي للتنمية. وذلك بفضل التشريعات الجديدة والخاصة بالتأمين والإدخار والتمويل بالجملة وضماناته عير مؤسسة (تيسير) لضمان موارد التمويل الأصغر بالجملة من المصارف للمؤسسات. هذه التشريعات تتطور عبر السياسات التمويلية التي يصدرها البنك المركزي سنويا وتحديث منشوراته، خاصة المتعلقة بالحوكمة. كما أن بنوك الأبداع الأخرى في الدول العربية كما هو الحال في سوريا واليمن وموريتانيا هي أيضا بنوك للشمول المالي تخطت مسألة الإقراض كمنتج وحيد وتلقت إشادة في جلسة البنوك المركزية في 2016 التي نظمها صندوق النقد العربي وبرنامج الخليج العربي للتنمية على هامش قمة التمويل الأصغر بأبوظبي، حيث تمت الإشادة بنموذج البرنامج في الشمول المالي في الدول العربية واعتبر الأكثر استدامة من غيره من المؤسسات التي تدعم الشمول المالي.
أخيرا ، صحيح أن الأزمات والحروب والصراعات أثرت على أداء القطاع، ولكن ينبغي العلم بأن الشمول المالي والتمويل الأصغر لابد أن يعمل في ظل الأزمات وهو صناعة دول العالم الثالث وصناعة أزمات في الأساس. لذلك ينبغي أن لا تتخلف بعض الفئات عن الركب بسبب هذه الظروف القاهره، وينبغي أن لا نطبق في مثل هؤلاء المتأثرين بالأزمات المقولة الإنجليزية، ركلة الأسنان، ويقصد بها المعاملة السيئة وغير عادلة ، خاصة في الوقت الذي يحتاجون فيه إلى الدعم والمساندة. لذلك السبب وفي بنك الإبداع السودان تعمل الفروع في مكان الأزمات بشكل جيد وأفضل الفروع العاملة اليوم في منطقة أزمة. علما بأن التمويل الأصغر يتواءم من افرازات الأزمات بشكل أفضل مقارنة بالبنوك والمؤسسات المالية الأخرى، بما له من مرونه في تصميم المنتجات تمكنه من تغيير استراتيجياته ونشاطاته والتحول نحو العمل وسط اللاجئين والمهجرين في التمويل وفي توزيع الإغاثات والمنح للمنظمات المحلية والعالمية عبر تطبيقات التحول الرقمي، كما هو الحال في بنك الأمل التابع لبرنامج الخليج العربي للتنمية في اليمن. خلاصة القول أن الأزمات تؤثر ولكنها لا تحد كثيرا من عمل مؤسسات التمويل الأصغر، إذا قامت الأخيرة بتغيير إستراتيجيات عملها ونوعية زبائنها ومنتجاتها.