الزراعة المستدامة .. مبادئها، أساليبها والعوامل المؤثرة عليها

شبكة بيئة ابوظبي، د. علاء سهيل إبراهيم، باحث زراعي، 22 أغسطس 2023

تزداد الحاجة إلى الاستفادة القصوى من الممارسات الزراعية لتحسين الإنتاج كماً ونوعاً جنبًا إلى جنب مع تزايد الحاجة إلى إطعام العدد المتزايد من سكان العالم، إذ قدَّرت الأمم المتحدة أنه سيكون هناك ما يقرب من 10 مليارات شخص على وجه الأرض بحلول عام 2050. وعلى الرغم من استخدام المزارعين لوسائلٍ مختلفةٍ من أجل زيادة الإنتاج كالتوسع في الأراضي الزراعية والزراعة التكثيفية، إلا أن هذه الوسائل وصلت إلى حدودها القصوى مع تأثيرها السلبي على الاقتصاد والبيئة والمجتمع. لذلك كان لابد من استخدام أساليب زراعية جديدة تؤدي الغرض المنشود مع الحفاظ على البيئة. ويجمع العديد من الباحثين والمزارعين أن الزراعة المستدامة التي تنتج غذاءً وفيرًا مع حماية البيئة والحفاظ على خصوبة التربة هي المنهج الأكثر واقعيةً لتحقيق ذلك.

تسمح الزراعة المستدامة بحياةٍ كريمةٍ في الوقت الحاضر دون المساس بالحياة الكريمة للأجيال القادمة أو تعريض النظام البيئي العالمي للخطر. وطالما أضحت الاستدامة مفهوماً عالمياً، فكان لا بد أن تكون مفهوماً قابلاً للقياس لإجراء مقارنةٍ عادلةٍ بين أنواع المزارع المختلفة والمناطق حول العالم، ويجب هنا مراعاة جميع نقاط القوة والإمكانات، فضلاً عن مكامن الضعف والسلبيات. ويتم تقييم الأداء الزراعي عادةً وفقًا للمبادئ الثلاثة الشاملة للإنتاج المستدام (البيئة، المجتمع والاقتصاد)، إذ أن تقييم الإنتاج الزراعي من الناحية الاقتصادية فقط سيؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة قد تؤثر سلباً على البيئة والمجتمع. وقد يعتقد البعض أن الزراعة المستدامة مجرد مفهوم بيئي يهمّش الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، ويسهم هذا الاعتقاد الخاطىء في تأخر تبني مفهوم الاستدامة كوسيلةٍ لتطوير الممارسات الزراعية وترسيخ الأمن الغذائي.

يمكن تصنيف ممارسات الزراعة المستدامة إلى 5 فئات: تضم الفئة الأولى اعتماد أساليب المكافحة المتكاملة وتجنب استخدام مبيدات الآفات للحفاظ على التنوع البيئي. وتعنى الفئة الثانية بالمكننة الزراعية والتقنيات التي تحل محل حرث التربة للحفاظ على جودة التربة كزراعة المحاصيل غير المجهدة للتربة، الاحتفاظ بالغطاء الطبيعي على سطح التربة واتباع الدورات الزراعية لزيادة غلات المحاصيل إلى الحد الأقصى. تتعلق الفئة الثالثة من الممارسات بالإدارة المتكاملة للعناصر الغذائية، في حين تتعلق الفئة الرابعة بأساليب مزج الأعشاب والأشجار في نفس الأرض كنوع من التحريج الزراعي لإنتاج بيئةٍ أفضل للتنوع الطبيعي وزيادة العناصر الغذائية والتخفيف من انبعاث الكربون. تهتم الفئة الأخيرة من الممارسات بالتربة والمياه والتي تسمح بجمع المياه مع تجنب تآكل التربة بفعل الرياح والمياه.

أدى اتباع الممارسات المذكورة سابقاً إلى ظهور مفاهيم مختلفة للزراعة المستدامة من أهمها: الزراعة الحافظة، ممارسات الزراعة الجيدة، الزراعة العضوية، الزراعة التكثيفية المستدامة والبيرماكلتشر.
بالرغم من التأثير الإيجابي للزراعة المستدامة والذي يشمل البيئة، المجتمع والاقتصاد، إلا أن هناك العديد من العوامل التي تؤثر في تبني ممارسات الزراعة المستدامة منها المتعلقة بالمُزارع (العمر، الثقافة، الجنس والدخل)، المزرعة (المساحة، الموقع، حقوق الملكية ونوع التربة)، المجتمع (الاهتمام بالبيئة، المنظور العام والمعايير)، وعوامل خارجية أخرى كالحصول على المعلومة، التدريب، التفاعل مع المجتمع والقدرة على الوصول إلى المواد اللازمة. ويمكن القول أن أدوات الزراعة المستدامة على مستوى المزرعة ستكون ناقصة وتغطي جوانب محددة فقط في حال عدم الإلمام بكافة العوامل المؤثرة المذكورة أعلاه. ومع ذلك، فإن العديد من الأدوات اللازمة باهظ التكلفة ومُعقد وقابل للتطبيق على مستوى المَزارع الكبيرة فقط، وغالبًا ما يكون معيارًا لاستبعاد صغار المزارعين. علاوةً على ذلك، فإن معظم عمليات التوجيه تركز على المتطلبات فقط دون المتابعة والتدخل الإيجابي أثناء سير العملية الزراعية، لذلك لابد من متابعة الأخصائيين والمعنيين بمفهوم الاستدامة جميع مراحل تنفيذ العمليات الزراعية وعلى مدى سنوات لترسيخ هذا المفهوم واستدامته.

من المهم أن يبدأ اعتماد الزراعة المستدامة بتقييم نتائج هذه الممارسة على مستوى المزرعة، ومن ثم على مستوى المَزارع في المنطقة المستهدفة أو على المستوى الإقليمي أو الوطني أو الدولي. ولابدَّ أن يرى المُزارع نفسه قيمةً مضافةً وأن يستفيد من التقييم، على الأقل على مستوى المزرعة، إذ أنَّ الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمزارع هو عامل رئيسي لمجتمع مستدام. على أية حال، لا تمنع أدوات تقييم الزراعة المستدامة من ظاهرة تراجع أعداد المزَارع والمزارعين في العديد من البلدان، ولكنها ستوفر المؤشرات حول الوضع الحالي والاتجاهات المستقبلية المحتملة كنظام للإنذار المبكر وإدراك الأخطار المحتملة التي تساهم في تدهور الزراعة.

في النهاية، يستخدم نظام الزراعة المستدامة ممارساتٍ مبتكرةٍ قائمةٍ على العلم لزيادة الإنتاجية وجني الأرباح مع الحفاظ على البيئة. وتعد هذه الممارسات مناسبة لجميع المَزارع وتنتج أنواعاً مختلفةً من الغذاء وموارد الطاقة على المدى الطويل.

المراجع:
1- Häni, F.J., Pintér, L. and Herren, H.R., 2006. Sustainable agriculture: From common principles to common practice. Proceedings and outputs of the first Symposium of the International Forum on Assessing Sustainability in Agriculture (INFASA), March 16, 2006, Bern, Switzerland, International Institute for Sustainable Development and Swiss, College of Agriculture, 1-262.
2- Coulibaly, T.P., Du, J. and Diakite, D., 2021. Sustainable agricultural practices adoption. Agriculture (Poľnohospodárstvo), 67, (4): 166 – 176.
3- Sadiku, M.N.O., Adebo, P.O., Ajayi-Majebi, A. and Musa, S.M., 2021. Sustainable Agriculture. International Journal of Engineering Research and Technology, 10 (09): 353-358.
4- Das, S., Mohanty, S., Sahu, G. and Sarkar, S., 2020. Sustainable agriculture: a path towards better future. Food and Scientific Reports, 1 (9): 22-25.

الصورة المدرجة مع المقال لمزرعة تعتمد أسلوب البيرماكلتشر في الصين وهذا رابط المصدر
https://newalchemists.files.wordpress.com/2015/06/img_0182.jpg

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية تنظم مؤتمراً دوليًا لمكافحة الغش الغذائي

تحت شعار “معاً لمكافحة الغش في الغذاء” شبكة بيئة أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة، 22 أبريل …