الطاقات المتجددة لتجنب اضطرابات الطقس المتطرفة بليبيا نتيجة تغير مناخ، عاصفة درنة نموذجاً

شبكة بيئة ابوظبي، المهندسة غادة محمد الفزاني والمهندسة إيناس محمد سلامة، طرابلس 10 أكتوبر 2023

تشغل ليبيا موقع استراتيجي يربط بين إفريقيا والبحر المتوسط وأوروبا، وتعتبر بوابة إفريقيا وهمزة الوصل بين الدول الإفريقية والقارة الأوروبية، حيث يلعب كلا من مناخ البحر الأبيض المتوسط والمناخ الصحراوي دوراً مهماً في التأثير على مناخها، ولكن تقع أغلب مناطق ليبيا في نطاق منطقة المناخ الصحراوي لذا حوالي 95 % من مساحتها تقع تحت النظم البيئية الجافة، وتتفاوت درجات الحرارة تفاوتاً كبيراً بين الصيف والشتاء تتراوح ما بين أقل من صفر درجة مئوية في شهر يناير في بعض المناطق، وتصل إلى أكثر من 40 درجة مئوية في شهري يوليو وأغسطس، كما إن معدلات البخر عالية، ويتراوح متوسط الرطوبة ما بين 30-73 %.

ونتيجة للتطور الصناعي والظروف السياسية التي مرت بها البلاد، برز الزحف العمراني العشوائي وإزالة الغابات، وتقلص الغطاء النباتي، بالإضافة لزيادة حفر الآبار غير المدروس وتصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة في البحر وتلوثه أيضا بالنفايات البلاستيكية، مما أدى لتلوث مياه البحر وتراجع التنوع البيولوجي للمجالات البحرية، وندرة المياه، وارتفاع نسبة الغازات الدفيئة المضرة بالبيئة والمناخ.

لم يكن متوقعا أن يأخذ أثر التغير المناخي هذه الوتيرة القاسية والعنيفة، ليظهر في صورة اعصار قوي وأمطار غزيرة فاقت 400 ملم ليساهمان في التنكيل بمدينة درنة الواقعة شرق البلاد، ويكون هذا الإعصار القشة التي قسمت ظهر البعير ليكون السبب في انهيار (سد بو منصور) البالغ سعته 22.5 مليون م3 وبارتفاع 75م المتداعي أصلاً منذ سنوات و المصنوع من الطين ذو القشرة الصخرية، ليتدفق الماء بقوة حاملاً معه أجزاء السد المنهار وينتقل عبر الوادي الذي يقطنه بعض السكان ليصل للسد الثاني (سد درنة) البالغ سعته 1.5 مليون م3 ويصل ارتفاعه 45 والمتداعي أيضا لينزل هذا السيل الجارف من الجبل الى مدينة درنة المنخفضة، و يغطي ربع المدينة بعمارتها وبيوتها وسياراتها وسكانها وأشجارها ،ويزيلها من الوجود ويأخذها معه إلى البحر ولم يترك خلفه سوى الدمار والطين الأحمر.

ومن أجل مواجهة التحولات المناخية العميقة في ليبيا، وجب التكيف والتأقلم معها، ووضع خطوات وبرامج للتخفيف منها لمواجهتها مثل العمل على زيادة مساحات الغطاء النباتي والحفاظ عليها، ترشيد استهلاك المياه خاصة القادمة من مشروع النهر الصناعي، ضرورة الاتجاه نحو الطاقات المتجددة واستخدامها في شتى المجالات؛ للتقليل من الاعتماد على الوقود الاحفوري والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، على شاكلة الاعتماد على الطاقة الشمسية، الطاقة الريحية، طاقة الكتلة الحيوية، والعمل على تطوير استراتيجيات التخفيف والتكيف مع تغير المناخ.

رغم كون ليبيا بلد صحراوي (جاف وشبه جاف)، إلا أنها يمكن أن تعرف فيضانات المفاجئة خلال السنوات المقبلة وتهديدها بتآكل التربة. فقد تعرضت مدينة غات لعدة فيضانات، واعتبر فيضان يونيو 2019 الأعنف منذ نهاية القرن الماضي حيث تسبب في أضرار اقتصادية واجتماعية بليغة. وفي سبتمبر 2020 نشأ فوق خليج سرت إعصار لا نوس الذي استمر سبعة أيام، وفي هذه السنة 2023 في نفس الشهر ضرب إعصار دانيال الساحل الليبي الشرقي بقوة كبيرة مع سقوط الأمطار الغزيرة أدت لانهيار السدين، ووقوع فيضانات غمرت مناطق سكنية بالكامل بمدينة درنة المتمركزة بين الجبل والبحر فتلاشى جزء من المدينة في كارثة إنسانية من أكبر الكوارث التي حدثت في العصر الجديد.

وجاء بعدها فيضان أوباري خط وادي الحياة بأكتوبر 2023 بعد اعلان حالة الطواري بالمنطقة تم خروج سكان المدينة ولم يتسبب الفيضان بخسائر بشرية. ومن أجل مواجهة هذه الظواهر المناخية المتطرفة بليبيا، يجب على مؤسسات حكومية وخاصة والمجتمع المدني العمل معا من أجل بلورة استراتيجية للطاقات المتجددة الخضراء والصديقة للبيئة، وتفعيل الاعتماد عليها في جل المشاريع المعتمدة على الوقود الأحفوري، وكذا إتمام إنجاز مشاريع طاقة الشمسية والريحية المتوقفة منذ مدة، والعمل استغلاله بالشكل المستدام، وذلك لقدرة الأراضي الليبية في توليد طاقة شمسية بسعة 5.3تيراواط / ساعة وطاقة الرياح بسعة 2.9 تيراواط / ساعة حسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وهذا يمثل ما يزيد عن ضعف معدل استهلاك الكهرباء الحالي في البلاد بقرابة 3.5 تيراواط/ساعة تقريبا. في السنوات الأخيرة شهدت ليبيا تشغيل محطة شمسية بسعة 20 ميغاواط في جنوب مدينة سبها 2013.

كما أن مشروع حزام الطاقة الأخضر 2050 المنفذ من منظمة الطاقات المتجددة والبيئة في ليبيا تحت شعار “ليبيا أول مصدر للطاقة النظيفة في العالم حيث يهدف المشروع لزراعة شجيرة الجوجوبا مستهدف مليون هكتار يشكل حزام الطاقة الأخضر” من أهم المشاريع في هذا المجال، والذي خص الفريق البحثي زراعة شجيرة الجوجوبا التي لها قدرة على امتصاص 17-25 طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً وبتوفير زيوت نباتية “الوقود الاخضر”.

علمياً أثبتت الطاقات المتجددة أنها الأفضل واقل تكلفة من الوقود الاحفوري من الناحية البيئية والاقتصادية في كل العالم، ويجب علينا كدولة الاعتماد على كل الطاقات المتجددة النظيفة واتخاذ قرار حاسم للتخفيف والحد من آثار التلوث البيئي كما فعلت بعض الدول العربية المجاورة.
تلعب الطاقات المتجددة دوراً حاسماً في تحقيق التنمية المستدامة، حيث توفر فرص العمل وتقلل انبعاثات الغازات الدفيئة وتلوث الهواء وتحسين الوصول الى الطاقة في المجتمعات النائية.

ولتحقيق التنمية المستدامة، يجب أن يتم دمج استراتيجية الطاقات المتجددة في السياسات الحكومية والتخطيط العمراني وتوفير الدعم المالي والتشريعي الملائم وتعزيز وتطوير البحث العلمي وأيضا تطوير التثقيف بفوائد الطاقات المتجددة ودورها في الحفاظ على البيئة والمناخ.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

قمة الهيدروجين الأخضر تضع خارطة طريق لبناء اقتصاد طاقة المستقبل

شبكة بيئة أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة، في 19 أبريل 2024 / وام/ حققت قمة الهيدروجين …