شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير مستشاري برنامج الخليج العربي للتنمية، أجفند، 19 يونيو 2023
كل المقالات والتحليلات والتصريحات والأقوال والدلائل العلمية حتى تاريخ اليوم تشاؤمية بشأن ضعف العمل المناخي للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة اليوم مما يعني الانتظار لحدوث الكوارث مستقبلا. بمعنى آخر إما دفع فاتورة تغير المناخ الآن أو إنتظار الكارثة المناخية والمعالجات الأكثر تكلفة. التباطؤ عن الصرف في العمل المناخي هو أكثر تكلفة بكثير في المستقبل . في مقال منشور بصفحة الأمم المتحدة بعنوان: أزمة المناخ – سباق يمكننا الفوز به، أشار المقال إلى أن “تغير المناخ يحدث بسرعة أكبر مما كنا نتوقع، و لكننا بعيدون كل البعد عن أن نكون عاجزين في مواجهة هذا التهديد” . والصورة الأكثر تشاؤما ظهرت في تقرير الأمم المتحدة حول المناخ: “الآن أو لا يمكن أبدًا” . كما صرح الأمين العام للأمم المتحدة على أنه “ما لم تعيد الحكومات تقييم سياسات الطاقة الخاصة بها ، فإن العالم سيكون غير صالح للسكن”. وفي نظرة أقل تشاؤمية وداعية للعمل المناخي أشار أيضا أن “حالة الطوارئ المناخية هي سباق نخسره ، لكنه سباق يمكننا الفوز به.” وفي مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ قبل نحو عامين (كوب 26) صرح الأمين العام للأمم المتحدة أيضا بأن “كوكبنا الهش على شفير الهلاك. ولا نزال نقترب من كارثة مناخية. وحان الوقت لإعلان حالة الطوارئ – أو أن فرصتنا في الوصول بانبعاثات الكربون إلى الصفر ستكون معدومة”. ومهما يكن من أمر فإن الرسالة التي يمكن استنباطها من كل هذه الأقوال والمقالات واضحة للغاية ومفادها أنه و ما لم نتحرك بسرعة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فلن نتمكن من درء أسوأ عواقب تغير المناخ مستقبلا المزيد من موجات الجفاف والفيضانات المدمرة وحرائق الغابات، وإن كان لا يزال بإمكاننا القيام بالكثير كأفراد وحكومات للعمل نحو التغيير.
يركز علماء المناخ على الأدلة العلمية الدامغة وليس على الآراء ونتائج التحليلات غير العلمية الموثقة. والواضح تمام أن وهنالك إجماع من قبل العلماء في المجال بأن التغير المناخي أمراً واقعاً وليس وهماً أو ترفاً علميا. وقدمت وكالة ناسا العالمية لتغير المناخ وضعاً حول حالة المعرفة العلمية حول تغير المناخ متضمنا الاستشهاد بالعديد من الدراسات التي تمت مراجعتها من مجموعات البحث في جميع أنحاء العالم،مما يوضح دقة نتائج البحث وإجماعها. كما تُظهر العديد من الدراسات العلمية المنشورة في المجلات العلمية أن اتجاهات الاحترار المناخي خلال القرن الماضي مرجحة للزيادة بسبب الأنشطة البشرية. و أصدرت معظم المنظمات العلمية الرائدة، خاصة الجمعيات العالمية الأمريكية، في جميع أنحاء العالم بيانات عامة تؤيد هذا الموقف (الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ و جمعية الأرصاد الجوية الأمريكية و الجمعية الفيزيائية الأمريكية و الجمعية الجيولوجية الأمريكية ، والمجلس الوطني للبحوث والبرنامج الأمريكي لأبحاث التغير العالمي على سبيل المثال وليس الحصر).
من الواضح أن العمل المناخي الذي يجري الآن كالمعتاد ليس جيدًا بما يكفي. لتحقيق الطموحات المرجوة منه. لذلك تم التنبيه إلى أن التكلفة اللامحدودة لتغير المناخ قد تصل إلى مستويات عالية لا رجعة فيها. مما يعني أنه قد حان الوقت الآن الالتزام باتخاذ إجراءات جماعية جريئة وسريعة ولازمة. ويرى البعض أن العالم يحتاج لإعلان ما أسموه “بحالة الطوارئ المناخية ” من أجل اتخاذ إجراءات سريعة من جانب الجميع وذلك في مجالي التخفيف من آثار تغير المناخ الضارة (الحد من تغير المناخ بتقليل تدفق غازات الاحتباس الحراري ) والتكيف مع التغير المناخي (التكيف الآن أو في المستقبل مع الحياة في مناخ متغير) . الهدف من هذه الإجراءات التكيفية هو تقليل المخاطر التي نواجهها من الآثار الضارة لتغير المناخ من أهمها، في وجهة نظرنا، انعدام الأمن الغذائي الذي سيحدث كارثة حقيقية. تكمن الخطورة مع تغير المناخ للأسوأ في أن العالم يحتاج إلى التكيف أيضا، ولكن كلما تغير المناخ بشكل أسرع ، كلما كان أمر التكيف سيكون أكثر صعوبة وتعقيداً. لا شك أن إدراك الخطر وما قام به المجتمع الدولي حتى اليوم أمرا مهما ويصب في الاتجاه الصحيح. والاتفاقيات العديدة التي تم التوصل إليها، رغم التحديات التي تقف عائقًا أمام تطبيقها، تعتبر وخطوات مهمة ولازمة (ولكنها غير كافية) لمواجهة التغيرات المناخية الآن وفي المستقبل.
المتوقع من مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين القادم (كوب 28) الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة (ذات السجل والمسيرة الجيد والبارزة في مكافحة آثار التغير المناخي عبر الإستراتيجيات والمبادرات الوطنية والعالمية مثل مبادرة تحقيق الحياد المناخي بحلول 2025)، أن يقود الحراك العالمي نحو مستوى منخفض من الانبعاث و يعزز العمل المناخي الطموح ويسهل عملية تنفيذه. بالإضافة لعرض أول تقييم عالمي لتنفيذ اتفاق باريس في هذا المؤتمر، نتوقع أيضا أن يحدث هذه المؤتمر إختراقا كبيراً في تفعيل إتفاقية الخسارة والضرر التي خرجت بها قمة 2022 بشرم الشيخ، حيث لا زالت هنالك أسئلة بخصوص تعبئة موارد الصندوق وصرف الأموال. كما لا زال العالم في إنتظار تقرير اللجنة الانتقالية التي تكونت في قمة 2022 و المناط بها رفع توصيات في المؤتمر القادم حول تشغيل الصندوق. أخيرا، الخبر المفرح أنه و في ظل تعرض الاقتصادات ذات الدخل المرتفع ضغوط متزايدة لإصلاح المؤسسات المالية الدولية واستثمارها، حتى تتمكن من استثمار المزيد من الأموال في جهود المناخ أفاد تقرير الخبراء المستقلين الذي وضع بتكليف من مجموعة العشرين أنه يمكن للمقرضين متعددي الأطراف تحمل المزيد من المخاطر وإقراض مئات المليارات من الدولارات دون الإضرار بالتصنيفات الائتمانية المرغوب تحقيقها والمستهدفة من قبل هؤلاء المساهمين. ربما ستنعكس نتائج هذا التقرير في سهولة اندياح الموارد المالية في العمل المناخي بعد مؤتمر الأطراف (كوب 28).