النموذج التنموي بين الكائن والممكن

يوم دراسي نظمه مركز مغارب للدراسات في الاجتماع الانساني بشراكة مع كلية علوم التربية في جامعة محمد الخامس بالرباط
شبكة بيئة ابوظبي: بقلم: الدكتور محمد كركوب (1)، الدكتور خليل بية (2). المملكة المغربية، 11 يوليو 2021

نظم مركز مغارب للدراسات في الاجتماع الإنساني بشراكة مع كلية علوم التربية جامعة محمد الخامس بالرباط، يوما دراسياً حول “النموذج التنموي بين الكائن والممكن”، وذلك يوم السبت 26 يونيو 2021 ابتداء من الساعة التاسعة صباحا، وقد احتضنت قاعة الندوات بكلية علوم التربية، فعاليات هذا اليوم الدراسي الذي شارك فيه نخبة من الباحثين والأساتذة وطلاب الجامعة المغربية وعرف حضورا مكثفا.
وقد افتتح الجلسات عميد كلية علوم التربية، جامعة محمد الخامس الدكتور عبد اللطيف كداي، والدكتور مصطفى المرابط رئيس مركز مغارب للدراسات في الاجتماع الانساني، بكلمات رحّب فيها بالحضور، ثم تناول سياق هذا النشاط الذي يأتي تتويجا لمسار حافل من الأنشطة التي قامت بها كلية علوم التربية ومركز مغارب كحلقة تواصل دأبت عليها أشغال المؤسستين.
افتتح النقاش بعد ذلك بالجلسة العلمية الأولى، والتي كانت تحت عنوان، النموذج التنموي الجديد بين الاجتماعي والسياسي، تناول المداخلة الاولى الدكتور أحمد بوجداد، بورقة تحت عنوان: النموذج التنموي في ضوء منهجية السياسات العمومية، يقدم فيها قراءة نقدية ومنهجية للتقرير، تساءل السياسات العمومية في علاقتها بالتقارير السابقة ونتائج الدراسات الوطنية التي أجريت من طرف مؤسسات علمية وأكاديمية، كتقرير الخمسينية، والمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، مبرزا أوجه الاختلالات والمفارقات التي بصمت التقرير، في مسألة التوتر بين السياسي والاداري.
ليقدم بعد ذلك، الدكتور عبد الغني شفيق مداخلة حول الحماية الاجتماعية وتعزيز الروابط بالمغرب: نحو عدالة اجتماعية على ضوء النموذج التنموي الجديد، انطلق فيها من قراءة سوسيولوجيا للتقرير على ضوء أشكال الحماية الاجتماعية وتعزيز الروابط في ظل سياق التحولات الاجتماعية التي يعرفها المغرب، معتبرا أن التقرير لم يراعي هذه المؤشرات، بل ظل حضور هذه الموضوعة هشا، أمام ما يحمل التقرير من تصورات مثالية حول معالجة الهشاشة الاجتماعية ببنيات تحتية لا ترقى إلى الاستجابة لحاجات الافراد.

أما مداخلة الدكتور عبد الحميد بنخطاب المعنونة بـ، النموذج التنموي وتحولات المشهد السياسي بالمغرب، فقد ركز في قراءته للتقرير على مدى قدرة النموذج التنموي في مقاربة بعض الاشكالات في ظل تحولات المشهد السياسي المغربي، من خلال مساءلة تحرير قيمة الفرد، والحكامة المحلية للانتقال السياسي من المركزي إلى المحلي، والعدالة المجالية من حيث إعطاء مساحة للأفراد في التعبير عن طاقاتهم الذاتية، كما تحدث عن البحث العلمي باعتباره ركيزة هامة في الانتقال إلى مجتمع المعرفة خصوصا، وما يعرفه المنتظم الدولي من تحولات سريعة في المجال التكنولوجي والقيمي والديمغرافي.
أما الدكتور عياد أبلال والذي عنون مداخلته بـ، النموذج التنموي الجديد بين الرغبة في التغيير وإدارة التنمية، فبسط هندسة شكلية للتقرير، معتبرا أنه لا يمكن تسميته بنموذج تنموي جديد بل هو نموذج تنموي مع وقف التنفيذ، ذلك أن التقرير تغيب عنه الجرأة المنهجية ويتسم بالتحفظ في موضوع الفساد السياسي، كما أن ما يطبع هندسته هو وجود خلل وظيفي، تبعا للخلفيات الانتمائية لأعضاء اللجنة نفسها، ولم يضع لنفسه تصورا فلسفيا في صياغة التقرير.
واختتمت هذه المداخلات بمداخلة للدكتور ادريس أيتلحو، تحت عنون: مفهوم التفريع في النموذج التنموي، قراءة سوسيولوجيا ترابية، معتبرا أن النموذج التنموي الجديد حافظ على المركزية وتهميش ما هو محلي وجهوي، في مقابل تأكيده على تقدمية الوثائق السابقة وخصوصا روح دستور 2011 في الاهتمام بالتفريع لما هو فردي ومحلي وجهوي، في تدبير الترابات، مؤكدا في الوقت ذاته أن التقرير ظل وفيا لتشخيص الاخفاقات، دون ملامسة آليات ناجعة في معالجة الاختلالات الترابية.
أما الجلسة الثانية، فقد تناولت النموذج التنموي الجديد والمسألة الثقافية والتعلمية والإعلام في المغرب، وكانت المداخلة الأولى للدكتور مراد الريفي الذي تحدث عن النموذج التنموي الجديد: أية ثقافة لأية تنمية؟ وابتدأ العرض باعتبار أن النموذج لم يفلح في بلورة التوليفة بين تطلعات المواطنين وآراء الفاعلين والخبراء بقدر ما كانت هناك خطابات جاهزة كما ألفنا ذلك، ولم يوفق في وضع الاستراتيجيات المقترحة، والوظائف الاجرائية المرغوبة، وما ورد عن مجلس التنافس والمنافسة، جعل من التقرير باهتا وبات كبوة منذ البداية، لينتقل بعد ذلك ليبرز لنا أن المكون الثقافي في النموذج التنموي عليه أن يمر عبر محطتين وهو المكون الثقافي التنموي لمغرب اليوم والمكون الثقافي التنموي لمغرب الغد والمحطة الثالثة، كيف يجب للمكون الثقافي التنموي أن يكون والتي غابت عن التقرير، إذ يقترح الاستثمار في مكون الثقافة الذي تزخر به الدولة في مختلف المناطق من المغرب، وذلك استنادا للاختلالات التنموية التي وقف عندها التقرير في محور الثقافة من قبيل غياب سياسات على المدى الطويل وضعف الموارد البشرية وغيرها، مما أثر على تنشيط الحياة الثقافية، واعتبر في الأخير أن المكون الثقافي في سياسة المدينة هي ممارسة فضلى تحرك عجلة التنمية يمكن الاستفادة منها في العديد من الدول والعواصم والحواضر التي أضحت نموذجا في الفعل الثقافي.

أما المداخلة الثانية فكانت للدكتور مصطفى الويزي، فكان عرضٌه معنونا بــــ، أي حضور للإعلام في المشروع التنموي الجديد؟ وبدوره انطلق من مبدأ أساس وهو أنه لا يمكننا أن نتصور نموذجا تنمويا دون الوقوف عن الأمن الثقافي، وبعد تقديم الشكر لمركز مغارب، وضع لمسته على اعتبار أن النموذج التنموي وضعنا أمام حرب إعلامية، وأكد أنها بمنطق فلسفي وليس الوقوف عند المصطلح في حد ذاته، وأقر على أننا اليوم دخلنا سجالا ومنعطفا مرجعيا، غير أننا لا يمكن أن ننسى على أن هناك تقرير الخمسينية والذي اعتبره مرجعا أساسيا في بناء النموذج التنموي، ورؤية نحو آفاق التنمية في المستقبل، حيث عبر فيما بعد على أنه على المستوى المؤسساتي نحن أشبه ما نكون بعيدا عن الأشياء المقترحة، خاصة وأن التقرير اعتمد في العديد من الفقرات على نسخ مشاريع وتقارير وبرامج لا تعبر عن الجديد، وهي طريقة تجميع السابق باليوم، وركز بالذات على أننا يجب أن نخضع ما ننتج باستمرار للأجرأة حتى نتمكن من تعميق نقاش مبني على فلسفة وأفكار وأراء عملية بدل الوقوف في النهاية عند حرب مفاهيم تعيد إنتاج تنمية مشوهة.
أما مداخلة الدكتور محمد الخمسي حول البحث العلمي في المغرب بين رؤية الوزارة والنموذج التنموي الجديد، فقد بناءها بـ ما تقترحه الوزارة وما ورد في النموذج التنموي، حيث من المؤلم يقول الدكتور أن نجدد الحديث عن المسلمات العلمية، إذ لا يمكن الحديث عن العلم دون الحديث عن تعليم عالي وقوي ومتماسك، وبالمقارنة بين الدول المتقدمة يجب أن يكون ناجحا في مضمونه ومحترما في موارده، وأن الورقة التي قدمتها الوزارة قصد تطوير البحث العلمي تقدم خللا تقنيا، بينما التقرير يفرض سيادة في السياسة والتنمية، ومن جهة أخرى يقول الدكتور أن من بين اختلالات البحث العلمي، هو غياب الحديث عن العلوم الانسانية رغم ما تفرضه قوة العلوم الرقمية، ليختم مداخلته بتوجيه ينص على أن تطوير البحث العلمي يقتضي تحديد أولويات الاشتغال.

المداخلة الرابعة فكانت من إنجاز الدكتور إدريس الغزواني، وقد تضمنت المداخلة في البداية تساؤلا عن مسايرة النموذج التنموي الجديد للتحولات التي يعيشها الشباب، خاصة وأن التقرير أشار من باب القيم إلى ما هو رمزي وليس ما هو مادي كما يقول الدكتور، ولأن القيم تفضيلات جماعية، ليشير على أن التقرير ووفق المعطيات التي قدمتها المندوبية السامية للتخطيط، فإن وضعية الشباب تمثل تحديا ورهانا كبيرا ، واقترح التقرير تلاث رافعات، وضع برنامج وطني، إرساء خدمة وطنية مدنية مندمجة للشباب، وتقوية نظام الادماج المهني للشباب، وهنا يقول الدكتور على أن التقرير شهد ظهور مقولات قيمية جديدة، لينتقل بنا في الختم للحديث عن الأنماط الجديدة التي تنقل المجتمع إلى ما هو رقمي تفرض علينا فاعلية جديدة لإدماج وإشراك الشباب، وذلك عبر محددات تحقق لنا نموذجا مستداما.
أما مداخلة الدكتور مصطفى المرابط حول، هل التنمية ممكنة؟ فقد تحدث من خلالها عن غموض وقلق في وثيقة التقرير التي لا تفتح آفاق النقاش رغم الدعوة السلطوية لذلك، فالوثيقة تقدم صورا مضمرة للإنسان والمجتمع الذي نريده على اعتبار أن مسألة مفهوم النموذج تربطه علاقة علمية متشابكة ومعمقة مع العلم، الثقافة، والفكر، ليحدثنا فيما بعد عن الموقف الذي نفتقده في البحث العلمي وهو الموقف النضالي من أجل التنمية، إذ يتساءل حول هل غابت التبعية أم الأمر يعدو كونه الانتصار لنموذج معين؟ وتوقف أيضا بدوره عن اشكالات الجذر اللغوي الذي يمثل نسقا يضعنا أمام حمل المجتمعات التقليدية إلى مجتمعات استهلاكية في المجتمع وفق الموجود، وفي هذا يسوق لنا تصورا للتنمية كأولمبياد وحلقة سباق لها خط بداية (دول في طريق النمو) وخط نهاية (الدول المتقدمة)، بينما هناك دول لم تضع قط قدمها في الحلبة، ويختم بحكمة عن رئيس الأورغواي كون الفقير ليس الذي لا يملك أي شيء وإنما الفقير هو الذي يطلب كل شيء، وهي كما يصرح الأستاذ من طبيعة الإنسان.
وفي الجلسة العلمية الثالثة المعنونة بـ: النموذج التنموي الجديد وتحديات التنزيل، قدم المداخلة الأولى الدكتور مصطفى الشكدالي بموضوع، النموذج التنموي الجديد وإشكالية التنزيل بمقاربة نفسية لمضامين التقرير تعتقد في منطلقاتها التحليلية النفسية بغلبة الانفعال في كتابة وتشخيص التقرير، ومبينا التحديات النفسية التي يمكن أن تقاوم هذا المشروع في صعوبات ومخاطر تنزيله.
أما مداخلة الدكتور جمال فزة، المسألة الوطنية بشحنات جديدة، فقد حاولت تقديم تفكيك مفاهيمي للمسألة الوطنية في ضوء تكريس تقرير النموذج التنموي الجديد للوطنية المستبدة والمهيمنة والمقلصة لحضور المحلي والجهوي، وأيضا للاختلاف الكوني والانساني، معتبرا أن التقرير غارق في نزع من الخصوصية الذاتية ومغال في الهوية وخصوصياتها، مما يعيد فتح النقاش حول قضية العقد الاجتماعي والتماسك الاجتماعي للمجتمع المغربي، ويجعل دستور 2011، والوثائق السابقة على هذا التقرير في وضع متقدم في التناول لمسألة الوطنية..

جاءت المداخلة الثالثة للدكتور إبراهيم الحمداوي عن التنمية بالواحات وتحديات البيئة والهجرة، بدأ مداخلته بالإشارة على أنه رغم الامتداد الجغرافي للواحات من مدينة فكيك إلى واد نون إلا أنها منسية على المستوى التنموي، غير أنه إن استثمر العنصر البشري والثقافي فسيشكل ثروة حقيقية يمكن أن تلعب أداورا مهمة في باب التنمية خاصة ما يتعلق بالسياحة الثقافية والإيكولوجية، بل إبداع في التنمية كما سماها الدكتور، فالواحة ميزاتها الماء، الإنسان والثقافة وهي عناصر تبث مدى استقرار الانسان الواحي وإلا لولها لما كانت الهجرة بشكل قطعي مع المكان، إضافة إلى البساطة التي تتميز بها الواحات على واجهات عدة، وذكر منها واحة “تزكوغين” كلها عناصر يمكن ان تسهم بشكل كبير في تنمية فعالة بالمنطقة وغيرها من الواحات، لذلك يدعو المهتمين بالبحث إلى تخصيص وحدات بحث ماستر تهتم بالثقافة والتنمية من شأنها أن تغني المجال التنموي وترقى بمتطلبات الناس وتفادي الهجرة التي أضحت تشهدها المنطقة بشكل كبير، ليختم مداخلته في النهاية إلى الدعوة للنهوض بالمنطقة عبر استغلال الفضاءات الايكولوجية في الفعل الثقافي التنموي.
بينما تحدث الدكتور حمزة شينبو عن جودة الحياة والرفاه النفسي في ضوء النموذج التنموي، إذ ركز على الصحة النفسية، وأشار كون الاستراتيجية التي بني بها التقرير ركزت على ما هو عضوي فقط في التعامل مع الصحة وغيبت الشق النفسي، وكي نطور الخدمات الصحية، أشار الدكتور على أننا يجب أن ننظر إلى الصحة حسب منظمة الصحة العالمية بأبعاد مغايرة عن ما يقام من استشفاء ووصفات وغيرها، والتي تعتبر حسبه من واجبات الدولة، وذلك بتبني أجرأة المفاهيم من قبيل التربية الصحية والرعاية والحماية، كما أن الأبحاث العلمية الصحية على مستوى الدراسات الانسانية المنجزة أكاديميا لا ينظر إليها في المجال الصحي، ولتجاوز هذه الاشكالات يجب تأسيس نظام صحي مواطن.
وختم الدكتور خالد مونة مداخلات اليوم الدراسي بمداخلة، بعنوان: compétence marocaine a l’ étranger : quelle place dans le nouveau modèle de développement, un regard critique وتحدث فيها عن الكفاءات المغربية في بلاد المهجر، وأشار إلى النقاش العلمي لبناء نموذج تنموي يراعي الخصوصيات المغربية، وبنظرة حسرة يقول الدكتور أن المغرب لا زال مستمرا في فقدان هذه الموارد البشرية عالية الكفاءة، حيث أن على المستوى المؤسساتي في بلاد المهجر الحديث دوما على هذه الكفاءات التي لا تحظى بأهمية في بلدها الأصلي، وهو حديث ليس وليد اللحظة، بل يمتد من تسعينيات القرن الماضي، وبنظرة نقدية يختم مداخلته بمجموعة من العوامل التي لا تشجع الكفاءات المغربية للدخول للبلد قصد الاسهام في التنمية المجتمعية.

.(1) محمد كركوب، باحث في علم الاجتماع سلك الدكتوراه، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية، جامعة ابن طفيل، القنيطرة، المغرب.
. (2) خليل بية، باحث في علم الاجتماع سلك الدكتوراه، كلية الآداب والعلوم الانسانية، جامعة عبد المالك السعدي، تطوان، المغرب.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

اختتام فعاليات الجمعية العامة لشبكة العمل المناخي بالعالم العربي في الأردن

ساره هب: نؤمن باهمية ودور المجتمع المدني بالاجندة المتعلقة بالتغير المناخي. عماد سعد: سعداء بالنتائج …