القتل الفوري للإنسان والأثر الباقي على البيئة

شبكة بيئة أبوظبي: عبدالله بن محمد العصيمي، مـاجستـير إدارة البيئة، المملكة العربية السعودية 17 ابريل 2017
الأسلحة الكيميائية والجرثومية
الأسلحة الكيميائية. السلاح الكيميائي هو عبارة عن استخدام العناصر الكيميائية السامة الموجودة في الطبيعة لغرض قتل أو تعطيل الإنسان والحيوان أو النبات، ويتم ذلك عن طريق دخولها لجسم الكائن الحي سواءً باستنشاقها أو تناولها عن طريق الفم أو ملامستها للعيون أو الجلد، أو ملامستها لأوراق النباتات أو تسربها عبر التربة إلى جذورها، ويعتبر استخدام الألمان لغاز الكلور في الحرب العالمية الأولى عام 1915م ضد الحلفاء هو أول استخدام للسلاح الكيميائي في العصر الحديث، وقيل إن استخدام فرنسا لهذا السلاح في تلك الحرب جاء ابتداءً مما أعطى الذريعة لاستخدامه على نطاقٍ واسع من قِبل الألمان. وتُصنف الأسلحة الكيميائية بشكل عام إلى: (أسلحة موجهة للبشر وأسلحة موجهة للنباتات).
أ. فالأسلحة الموجهة للبشر تكون عادة على شكل غازيٍ أو سائل، أما العوامل الغازية فهي عوامل (غير مستقرة) قد تبقى دقائق أو ساعات وتهدف لشل أو تعطيل قدرة الخصم، وتوقع إصابات تزيد أو تقل بالنظر إلى عوامل عديدة أهمها درجة الحماية ووسائل الوقاية التي يمكن توفيرها لمن يتعرض لتأثيراتها، ويتم نشر هذا الغاز بدانات المدفعية وقذائف الطائرات. كما يمكن أن تكون بالشكل السائل (الرذاذ) لتصبح عوامل (مستقرة) تستمر لفترة أطول لتبقى أياماً أو أسابيع، والهدف منها تحريم الأرض على الخصم ومنعه من الاستفادة منها، وإيقاع أكبر عدد من الضحايا والإصابات بين صفوفه، غير أن حرارة الشمس وحركة الرياح تعمل على تبخير هذه العوامل وتجفيفها، مما يخفف تركيزها ويزيل أثرها بعد مدة، ويتم رش هذا النوع منها بالطائرات.

وما أُلقي في صبيحة يوم 30 مارس 2017م على (خان شيخون) بسوريا من غاز (السارين) المؤثر على الأعصاب إلا مثالاً حياً يلامس المشاعر ويدمي القلوب ليصف بشكل واضح عظيم تأثير هذه الأسلحة الكيميائية وفتكها البشع بالإنسان. إلا أن الملفت للنظر أن هذا النوع من الأسلحة لا يُشكل خطراً كبيراً على البيئة ولا يؤثر عليها كما يؤثر على الأحياء، إلا إذا لم تنفجر تلك القنابل والصواريخ في حينها، عندها تصبح خطراً بيئياً كامناً تؤدي إلى نفس المفعول عند انفجارها أو تسرب الغاز منها. وقد حصل مثل ذلك (عندما أصيب أكثر من 42 صينياً بأضرار خطيرة جراء تسرب غاز الخردل من برميل مضمور في موقع بناء في مدينة (تسيشتشيهار) الصينية وكان من مخلفات الحرب اليابانية على الصين في الحرب العالمية الثانية[1].

ب. ويبقى النوع المؤثر على البيئة من هذه الأسلحة الكيميائية هي الأسلحة الموجهة للنباتات والتي تسبب تعقيم التربة (Sterile soil) وقتل النباتات أو إزالة أوراقها، ومن أخطر استخداماتها عبر التاريخ هو ما أقدم عليه الجيش الأمريكي في حربه على فيتنام عام 1970م حيث استخدموا أكثر من خمسين ألف طن من المواد المبيدة للنبات، والتي تم رشها على مساحة عشرة آلاف كيلومتر مربع من الغابات والمزارع التي كان يختبئ فيها المقاتلون الفيتناميون (وتسببت هذه المبيدات في القضاء على المحاصيل، وإبادة أوراق أشجار الغابات الكثيفة والمزروعات، وكان من ضمن ما تم رشه مواد مبيدة للأعشاب ومواد مكافحة لنمو النبات، ومواد مجففة، ومواد تدمر خصوبة التربة الزراعية)[2]، وقد كان أشهر هذه المبيدات التي استخدمت هي مادة (ديوكسين Dioxin) أو ما أُطلق عليها في ذلك الوقت اسماً كودياً وهو (العامل البرتقالي) وقد أدى هذا العامل منذ ذلك الوقت حتى الآن إلى ولادة نصف مليون طفل مشوه ومصابين بسرطانات نادرة فضلاً عن الأجنة الميتة[3].

الأسلحة البيولوجية. أما السلاح البيولوجي فهو عبارة عن استخدام كائنات دقيقة لتؤثر على خلايا الأحياء فتُسبب المرض أو الموت وتشمل الامراض والأوبئة الطبيعية والمعدلة وراثياً كالجمرة الخبيثة، وبالرغم من سهولة ورخص تكلفة انتاجه[1] إذ يُصطلح على تسميته (سلاح الفقراء) (1) إلا أن تأثيراته العكسية تردع من يفكر في استخدامه، فهو سلاحٌ ذو حدين، لا يأمن من يستخدمه من ارتداد أثره عليه، لذا فإن حوادث استعمال السلاح البيولوجي في العصر الحديث هي حوادث معدودة ونادرة لأن تأثيراته البشرية والبيئية مروّعة.
ومن أشهرها ما حدث في عام 1942م عندما ألقت بريطانيا على جزيرة (غرينارد) على مقربة من ساحل اسكوتلندا الغربي جرثومة الجمرة الخبيثة (الأنثراكس Anthrax) لتجربة استخدامها في الحرب فماتت الحياة البرية فيها وتلوثت الجزيرة بشكل خطير جعلها غير مأمونة لذا تم أغلاقها، وسميت تلك الجزيرة (بجزيرة الشيطان) وقاموا بنصب لافتات التحذير من الدخول لهذه الجزيرة عند الشاطئ، وفي عام 1981م أي بعد أربعين عاماً من هذه الحادثة فحص عدد من العلماء عينات من الجزيرة وأوصوا بضرورة الاستمرار في إغلاقها، وفي عام 1990م رضخت الحكومة البريطانية للضغط الشعبي وقامت بتطهير الجزيرة باستخدام 280 طن من (الفورمالديهايد). وجاء في أحد التقارير أن المساحة الملوثة بجرثومة الجمرة الخبيثة تبلغ هكتارين على الأقل، ويلزم لتطهيرها تماماً استخدام ١٠ملايين لتر من السوائل المطهرة [4].

وقد أورد عدد من المؤرخين روايات متضاربة حول عزم الحلفاء ودول المحور على الإعداد لاستخدام جراثيم (الانثراكس) والتيفوس والحمى وغيرها في تلك الحرب. ومهما كان نصيب هذه التقارير من الصدق أو التحامل والتشهير، فإن حالة جزيرة (غرينارد) الماثلة أمامنا تبين قوة هذا السلاح ومدى ما قد يحدثه من فتك بالبشر فوراً وبالبيئة لأزمنة عديدة [5]. وفي مقابلة مع أحد المطلعين أجريت في عام ١٩٨١م، ذكر أنه (لو نُفذت خطط الحلفاء ضد مدن مثل آخن، وبرلين، وفرانكفورت، وهامبورغ لظلت إلى هذه الأيام غير صالحة للعيش فيها بسبب جراثيم الانثراكس)[6].

عبدالله بن محمد العصيمي
مـاجستـير إدارة البيئة، المملكة العربية السعودية
المراجع:
(1) يُكلف السلاح التقليدي ٢٠٠٠ دولار لكل كلم2، والسلاح النووي ٨٠٠ دولار لكل كلم2، والسلاح الكيماوي٦٠٠ دولار لكل كلم2، أما السلاح البيولوجي فيكلف دولار واحداً فقط لكل كلم2. (عبد الهادي مصباح، الأسلحة البيولوجية، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1421هـ، ص 30).
[1] (محكمة يابانية تحكم بدفع تعويضات لضحايا الأسلحة الكيماوية في الصين، موقع الخط الأخضر، www.greenline.com).
[2] (عبد الهادي مصباح، الأسلحة البيولوجية، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1421هـ، ص40).
[3] (رشا محمد، مرجع سابق، ص 207).
[4] (د. عادل احمد جرار، الاسلحة الكیمیائیة والبیولوجیة وتأثیراتھا البیئیة، الطبعة الأولى، عمان، دارالجلیل للنشر، ١٩٩٢ م، ص 78).
[5] (ماجد الأنصاري، البيئة الطبيعية، أطروحة لنيل درجة الماجستير بكلية القيادة والأركان للقوات المسلحة، الرياض، 1425هـ، ص73)
[6] (د. عادل احمد جرار، مرجع سابق، ص 78).

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

ازدهار العلامة التجارية للشركات في ظل المسئولية الاجتماعية الحقيقية

موقع بوابة الاهرام، الدكتور شون لوخري، أستاذ مساعد في كلية إدنبرة لإدارة الأعمال، جامعة هيريوت …