السياسة التعليمية في مواجهة تحديات المستقبل

شبكة بيئة ابوظبي، بقلم، محمد أمين سامي، خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير، 13 مايو 2023

الحروب المستقبلية حروب ثلاث فهي تتمثل في حروب الماء والغذاء والطاقة فالنجاح اليوم في مواجهة هذه الحروب التي تعتبر أهم التحديات المستقبلية خاصة تحدي الأمن الغذائي لا يمكن أن يتم بدون تطوير منظومتنا التعليمية والاستثمار فيها وتشجيع البحث العلمي وخلق الاتساق بين السياسات الاقتصادية والاستثمارية و الاستراتيجيات التعليمية وتعزيز الترابط بين العلوم والصناعة والخدمات.

تلعب السياسة التعليمية  دورا محوريا ومصيريا في تقدم المجتمعات والدول وتحسين جودة الخدمات سواء كانت حكومية أو خاصة أو خيرية فتحسين جودة المنظومة التعليمية من برامج ومناهج وأساليب التوظيف وتكوين وتدريب عالي ووسائل تعليمية جيدة ومناسبة للتعلم وحكامة مؤسساتية للقطاع و…. يساهم بدون شك في خلق أجيال جديدة متعلمة ومواكبة للعصر الذي نحن بصدد الولوج إليه.

فحسب التقرير العربي للتنمية المستدامة لسنة 2020 الصادر عن لجنة الشؤون الاجتماعية والاقتصادية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابعة للأمم المتحدة،  فإن من أهم العوائق التي تساهم بشكل مباشر في ضعف التعليم بالمنطقة العربية خصوصا والنامية بشكل عام :

١. ضعف نوعية التعليم المقدم رغم الجهود المبذولة من أجل تحسينه وتجويده :
فتغير السياسات التعليمية كل مرة وعدم استقرارها، يؤثر بشكل جلي على منظومة التربية والتكوين خاصة من خلال استيراد نماذج تعليمية أجنبية لا علاقة لها بالواقع المعيش ولا علاقة لها بالمناخ المجتمعي والفكر الجمعي للمجتمع ولا بعاداته ولا تقاليده ولا ثقافته و…. وبالتالي عدم المواكبة، كما أن عدم تتبع التطور العالمي للسياسة التعليمية والنموذج التنموي العالمي المتجه نحو الاقتصاد الرقمي والمعرفي يؤثر بشكل كبير على الدول النامية والمتخلفة التي تعاني من الأمية الوظيفية بنسبة كبيرة نفس الشيء مع الأمية التكنولوجية، كل هذه الأمور وغيرها تجعل نوعية التعليم المقدم ضعيفة ولا تواكب المرحلة الجديدة ولا تستطيع إنتاج نخب قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية خاصة تحدي الأمن الغذائي والمائي والطاقي.
كما أن الاستثمار في المجالات المستقبلية مثل اللوجستيك والفلاحة الرقمية و التعليم الرقمي وتوظيف البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي يحد من تطور القطاعات وعدم قدرتها على مواجهة المجهول.

فالمستقبل يتم بناءه من الآن وخلق أجيال جديدة متعلمة ومواكبة للعصر الذي نحن بصدد الولوج إليه يبدأ من تحسين جودة التعليم والاستثمار فيه من أجل مواجهة التحديات المستقبلية، فالامن الغذائي مرتبط بشكل كبير بالسياسة المائية واللوجستيك و الاستيراد والتصدير و الصناعة الغذائية و…. فمعالجة تحدي الأمن الغذائي لا يمكن معالجة من منطق مقاربة تحليلية صرفة فالمعالجة تتم وفق مقاربة نظمية نسقية بتوحيد الجهود والتنسيق فيما بينها.

٢. ضعف الاقتصادات المحلية يحد من عائد التعليم :
صحيح وهذا راجع إلى ضعف ونوعية التعليم المقدم خاصة أن التعليم الضعيف ينتج يد عاملة رخيصة غير قادرة على خلق القيمة المضافة ومواكبة تطور سلاسل القيمة العالمية، كما أن ضعف الاستثمار في البحث العلمي يحد من عائد التعليم وهذا يؤثر على نوعية الاقتصادات الموجودة، ناهيك أن أغلب الدول الفقيرة والنامية تمتلك اقتصادات محلية هشة وضعيفة جدا نظرا لغياب المقومات الاستثمارية والابتكارية في البلد التي يمكن أن تقوي الاقتصادات المحلية وترفع من عائد التعليم.

٣. عدم المساواة والانصاف في التعليم يكرس الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وبالرجوع لمؤشر المعرفة العالمي لسنة 2022 ومؤشر الابتكار العالمي لنفس السنة، يتبين أن أغلب الدول العربية تحتل مراتب متأخرة بإستثناء الإمارات و قطر اللتين استثمرتا في المجال التعليمي وقامتا بتطوير الكادر البشري واعتماد التقنيات التكنولوجية الحديثة في أغلب الوظائف والقطاعات الحكومية و الخاصة و الخيرية.

كما يتضح ان الفجوة بين البحوث الأكاديمية التنموية والاحتياجات الاقتصادية تتسع بشكل كبير اذا لم يتم تداركها بنفس السرعة التي يسير بها النموذج الاقتصادي الجديد، فعلى سبيل المثال فعدد الباحثين على مستوى المنطقة العربية يصل إلى 722 باحثا بالنسبة لكل مليون نسمة بالمقارنة مع المتوسط العالمي الذي يمثل حوالي 1267 باحثا لكل مليون نسمة، أما على مستوى أوروبا فعدد الباحثين لكل مليون نسمة يتجاوز 3000 باحث لكل مليون نسمة، فضعف عدد الباحثين في المنطقة العربية في مختلف المجالات يساهم في صعوبة تجاوز ومواجهة التحديات الجديدة واستشراف الفرص المستقبلية، خاصة أن التعليم يلعب دورا محوري ومصيري في تقدم المجتمعات، كما أن ضعف الميزانيات المخصصة للبحث العلمي والتطوير والتي لا تتجاوز 1%  من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة العربية برمتها في المقابل فالمتوسط العالمي في هذا القطاع يبلغ 1,73% من الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي يتضح أننا في المنطقة العربية أدنى بكثير من المتوسط العالمي حسب التقرير العربي للتنمية المستدامة لسنة 2020.

إن ضعف نوعية التعليم يساهم بشكل كبير في ضعف إنتاج إنسان القطاع المعين(إنسان الإقتصاد، إنسان الجودة، إنسان الاستراتيجية، إنسان الابتكار، إنسان الاستثمار،… ) وبالتالي غياب البروفايل اللازم لتحقيق التنمية بمختلف تلاوينها. كما أن التمييز في النظام التعليمي يخلق اللامساواة واللاتكافؤ بين الأفراد، فتعليم النخبة يتيح التفكير الاستراتيجي ورصد العلامات الضعيفة والمتقدمة وبذور التغيير ويطور مهارة الاستشراف الاستراتيجي التي تكون قادرة على ملاحظة حركية النسق المجتمعي بمختلف أبعاده كما سبق ذكره، في حين أن تعليم العامة يخلق فئة التفكير الاختزالي التقني التي تنظر إلى عناصر النسق بشكل تجزيئي وتقني محض مع إغفال ترابطها وملاحظة تفاعلاتها فالفكر الاختزالي هو فكر أعور ينظر للأمور بنظرة التخصص الضيق ويعتبر أن كل المشاكل عبارة عن مسامير وأن حل استعمال المطرقة هو الحل الأنسب في حين أن التفكير النظمي يرى بنظرة المتخصص الموسوعوي الذي يوظف العلوم الأخرى ويتفاعل معها في حل العديد من الإشكالات الحالية والمستقبلية.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

أهمية مراكز الابتكار الحضري وتحديات التنزيل 

شبكة بيئة ابوظبي، بقلم، محمد أمين سامي، خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير، عضو خبير ضمن شبكة …