شبكة بيئة ابوظبي، بقلم د. حسام حاضري مستشار التطوير الاستراتيجي واستشراف المستقبل، 20 نوفمبر 2023
تُمثّلُ المعرفةُ الحجرَ الأساس والقوة الدافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في عصرنا الحالي، والذي يُوصفُ بأنه شديدُ التسارع والتعقيد. فما كادت المجتمعاتُ تتكيّفُ مع معطيات الثورة الصناعية الرابعة، وتحاولُ تفكيكَ شيفرتها، حتى ظهرت ملامحُ الثورة الصناعية الخامسة بمعطياتٍ جديدةٍ استدعت بالضرورة البدءَ بالاستعداد للخوض في غمارها، والانتقال إلى مرحلةٍ جديدةٍ من التطور قد تنعكسُ إيجاباً على جميع مناحي الحياة، وتُسهمُ في توفير التقدم والرفاه وتحقيق التنمية المستدامة. فما طبيعةُ الثورة الصناعية الخامسة وما الأسبابُ الكامنةُ وراءَ ظهورها؟
ورغمَ أنّ مفهومَ التطور ليس حديثَ العهد، بل ابتدأَ منذُ وجود الإنسان على سطح الأرض، إلا أنه تحوّلَ في العصر الحالي من النمط الخطيّ إلى النمط الأسيّ. وفي حين امتدت الرحلةُ الزمنيةُ بين الثورة الصناعية الأولى والثانية إلى عقودٍ طويلةٍ، لم تتجاوز وقتاً يُذكر بين الثورة الصناعية الرابعة والخامسة، ومن يدري رُبّما تُقاسُ بالأشهر والأسابيع مستقبلاً في الثورات الصناعية اللاحقة.
وتهدفُ الثورةُ الصناعيةُ الخامسةُ في مضمونها إلى تحقيق التكامل بين القدرة البشرية والآلة بعد انحرافِ المسار بشدةٍ في الثورة الصناعية الرابعة لصالح الآلة على حساب الإنسان. الأمر الذي أثارَ المخاوفَ من السيطرة الكلية للآلة والذكاء الاصطناعي، وخاصةً في اتخاذِ القرارات المفصلية التي يُمكنُ أن تُهددَ الأمانَ الاقتصادي والاجتماعي، وحتى الوجود البشري.
لذا يُمكنُ اعتبار الثورة الصناعية الخامسة بمثابة الرؤية الثالثة التي تتوسطُ بين ذكاء الإنسان، وقوةِ الآلة والذكاء الاصطناعي. فالذكاءُ الاصطناعي يعتمدُ أساساً على خوارزمياتٍ معقدةٍ مستقاة من بعض التصرفات الإنسانية تُغذى بها الآلاتُ لمحاكاة بعض التصرفات الإنسانية، إلا أنها من الاستحالة بمكان أن تتحولَ إلى نسخةٍ إنسانيةٍ مطابقة؛ لأنّ المشاعرَ الإنسانية والعقلَ البشري عموماً يحملُ بصمةً خاصةً تختلفُ من إنسانٍ إلى آخرَ، ولا يُمكنُ تقليدها على وجه الدقة. وفي نفس الوقت لا يُمكنُ إغفال الدور المحوري الذي تلعبهُ الآلةُ في التطوير وتحسين الإنتاجية. وعندما يتّحدُ الطرفان تتشكلُ معادلةُ الصناعة المجتمعية المزدهرة، واستمرارية تطور الأعمال.
ونظراً للأثر البالغ الذي تلعبهُ الثورةُ الصناعيةُ الخامسةُ، فقد تقرر انعقاد فعاليات قمة المعرفة في دورتها الثامنة تحت عنوان “مدن المعرفة والثورة الصناعية الخامسة” والتي تنظمها مؤسسةُ محمد بن راشد للمعرفة في مركز دبي التجاري العالمي بين 21-23 نوفمبر بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتجمعُ أصحابَ الفكر، والمخططين، وصناعَ القرار، والخبراء، والأكاديميين، لمناقشة دور الثورة الصناعية الخامسة في بناء مدن المعرفة وتوفير بيئاتٍ محفزةٍ للإبداع والابتكار، والتأسيس لخارطة طريقٍ تدفعُ إلى الارتقاء بجودة حياة الإنسان وتقدّم المجتمعات.
ومفادُ القول: إنّ الثورةَ الصناعية الخامسة تبدو كفرصةٍ لتجسيد الرؤية الثالثة، حيثُ يتناغمُ الإنسانُ والآلةُ في تفاعلٍ إبداعي يخلقُ توازناً ديناميكياً يُعزّزُ الإمكانياتِ البشرية دون إلغائها عن طريق بناءِ شراكةٍ استراتيجيةٍ طويلةِ الأمد بينَ الإنسان والآلة في رحلة المستقبل.