اليوم العالمي للمياه: جهود المركز الوطني للأرصاد لمواجهة تحديات الأمن المائي

شبكة بيئة ابوظبي، بقلم سعادة الدكتور عبد الله المندوس، مدير عام المركز الوطني للأرصاد ورئيس المنظمة العالمية للأرصاد الجوية 21 مارس 2024

تشكل الموارد المائية الموثوقة عاملاً حاسماً لأمن الأوطان والمجتمعات والزراعة. وفي ظل تفاقم أزمة المياه على مستوى العالم، تزداد الحاجة إلى تعزيز مرونة الدول في مجال المياه من خلال تشجيع الأبحاث والتكنولوجيا الجديدة وبناء شراكات دولية فعالة تساهم في الحفاظ على هذا المورد الثمين.

وبينما نحتفل باليوم العالمي للمياه، نشهد اهتماماً عالمياً متنامياً بالإدارة الفعالة لموارد المياه، حيث باتت العديد من الدول تدرك مدى أهمية إدارة موارد المياه بكفاءة لتمكين مشاريع الري، وتأمين مياه الشرب النظيفة، وتطوير مصادر المياه المحلية، وتحسين إدارة الكوارث الطبيعية، وتطوير مشاريع الطاقة الكهرومائية. كما أصبح المجتمع الدولي يبحث عن حلول بديلة ومبتكرة لاستخدام المياه بكفاءة وبطريقة مستدامة وعادلة بما يحقق التوازن بين احتياجات الإنسان والحفاظ على البيئة. وفي حين أن حلولاً مثل تحلية المياه وإعادة تدوير المياه الرمادية تعد خيارات قابلة للتطبيق، إلا أن واقع التحديات البيئية يفرض علينا ضرورة إيجاد حلول أكثر فاعلية لتعزيز هطول الأمطار وزيادة تغذية المياه الجوفية.

ومع تصاعد مخاطر تغير المناخ، وتفاقم أزمة نقص المياه التي تهدد حياة ملايين البشر، تبرز حلول مبتكرة كتكنولوجيا الاستمطار لتشكل بارقة أمل لمستقبل أكثر استدامة. ويواصل المركز الوطني للأرصاد من خلال برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار ريادته في هذا المجال عبر إجراء أبحاث استمطار متطورة تساهم في تحقيق الأمن المائي المستدام لشعوب العالم.

وتوفر تكنولوجيا الاستمطار، والمعروفة أيضًا بتلقيح السحب، حلاً مستداماً لتحقيق الأمن المائي من خلال تسخير عمليات هطول الأمطار لزيادة كميات الأمطار في المناطق التي تواجه ندرة المياه. وتستفيد هذه التكنولوجيا من الدورة الطبيعية لتكثيف بخار الماء وتشكل السحب، مما يتيح خياراً آمناً بيئياً وقابلاً للتكيف وفعالاً من حيث التكلفة لمواجهة تحديات الأمن المائي. وباعتبارها من الدول التي تقع في المناطق القاحلة وضمن سعيها الحثيث لإيجاد حلول فعالة لمواجهة ندرة المياه، تبنت دولة الإمارات تكنولوجيا الاستمطار من منطلق حرصها على ضمان إمدادات مستمرة من المياه العذبة.

وأطلقت دولة الإمارات ومؤخراً مبادرة محمد بن زايد للماء بهدف مواجهة التحدي العاجل لندرة المياه، وتعزيز الوعي بخطورة هذه الأزمة، وتسريع تطوير حلول تكنولوجية مبتكرة، وتعزيز التعاون الدولي. وتجسد مبادرة محمد بن زايد للماء التزام دولة الإمارات بقيادة الجهود الدولية لتحقيق الأمن المائي، فضلاً عن الدعم الذي قدمته الدولة ولا زالت تقدمه للنهوض بأبحاث الاستمطار من خلال برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار الذي يمثل نهجاً استباقيًا لمواجهة تحديات ندرة المياه من خلال توفير الموارد والخبرات اللازمة لتطوير حلول صديقة للبيئة تسهم في تحقيق الاستدامة المائية على المدى الطويل.

وقد بدأت عمليات الاستمطار في دولة الإمارات في تسعينيات القرن الماضي، وقطعت الدولة خلال العقود التالية أشواطا مهمة في هذا المضمار، حيث تمتلك اليوم شبكة حديثة تضم أكثر من 60 محطة أرصاد جوية، ومنظومة رادار متكاملة، وخمس طائرات متخصصة لعمليات التلقيح. ومع إطلاق برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار تحت إشراف المركز الوطني للأرصاد في عام 2015، خطت الدولة خطوة كبيرة نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية في مجال الأمن المائي، حيث يواصل البرنامج تحقيق إنجازات علمية ملموسة على صعيد تطوير التقنيات والابتكارات الجديدة التي تواكب التحديات البيئية المتغيرة، وذلك من خلال دعم وتمويل المشاريع البحثية المتطورة وتعزيز التعاون الدولي في مجال أبحاث الاستمطار.

وقام البرنامج منذ دورته الأولى بتمويل 14 مشروعًا فريدًا في مجال الاستمطار، وتم التعاون مع أكثر من 85 دولة وتخصيص 22.5 مليون دولار من الاستثمارات في أبحاث الاستمطار. كما سجل الحاصلون على منحة البرنامج ثماني براءات اختراع، إضافة إلى استعراض إنجازات المشاريع البحثية الممولة من قبل البرنامج في مجلات بحثية مرموقة.

ويحرص البرنامج على إنشاء بنية تحتية وتكنولوجية متكاملة تمكنه من تعزيز هطول الأمطار وتحقيق الأمن المائي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة في جميع أنحاء العالم. كما حقق البرنامج نتائج ملموسة على صعيد رفع جاهزيته التكنولوجية في مجالات عديدة كتحسين مواد التلقيح، واستخدام الأنظمة المستقلة، والهندسة الجيولوجية، وتكنولوجيا النانو، وتعزيز قدرات النمذجة والبيانات المتقدمة. وتعد هذه المجالات المتخصصة بمثابة خارطة طريق نحو تحقيق أهداف البرنامج الرامية إلى تعزيز عمليات الاستمطار في دولة الإمارات والدول الأخرى.

وشارك البرنامج خلال الشهر الماضي في المعرض والمؤتمر الدولي لإدارة المياه المعروف بـ “أسبوع باكو للمياه” تأكيداً على التزامه بتعزيز الحوار وتعميق التعاون الدولي في مواجهة تحديات المياه. وقد شكل هذا المؤتمر منصة مثالية لتبادل المعرفة ومشاركة الخبرات وتسليط الضوء على تقنيات الاستمطار وإمكانية تطبيقها على نطاق عالمي. كما عقد البرنامج خلال المؤتمر العديد من اللقاءات والمناقشات البناءة مع أصحاب المصلحة الرئيسيين، فضلاً عن إقامة شراكات من شأنها دفع الجهود الدولية في معالجة ندرة المياه وتحقيق الأهداف الاستراتيجية في مجال الأمن المائية والعمل المناخي، لا سيما أن البرنامج يتطلع إلى مشاركة أوسع في أعمال مؤتمر الأطراف COP29 الذي تستضيفه جمهورية أذربيجان في شهر نوفمبر المقبل.

ويشكل احتفالنا باليوم العالمي للمياه فرصة للاعتراف بدور كل من يساهم في السعي لتحقيق الأمن المائي.

إننا في المركز الوطني للأرصاد ندرك أن إيجاد حلول مبتكرة لتحديات الأمن المائي عالمياً ليس بالمهمة السهلة، بل يتطلب تعاونا دولياً أوسع بين العلماء والباحثين وخبراء الأرصاد الجوية الذين نكن لهم كل التقدير والاحترام على جهودهم المخلصة في معالجة تحديات الحاضر من أجل بناء مستقبل أكثر مرونة واستدامة للأجيال المقبلة.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

انطلاق الحملة الوطنية للتغيير من أجل مواجهة أزمة المناخ والماء بالمغرب

شبكة بيئة ابوظبي، الدار البيضاء، المملكة المغربية، 07 مارس 2024 في ظل الوضعية المائية الصعبة …