شبكة بيئة ابوظبي: بقلم د. أنيس رزوق، مستشار تخطيط استراتيجية الجودة والتميز، مقيم معتمد في التميز المؤسسي (EFQM)، خبير استراتيجيات القوة الناعمة، خبير ادارة مركز اسعاد المتعاملين، (7 STAR)، خبير حوكمة معتمد، خبير صناعة سيناريوهات المستقبل، 23 يونيو 2019
تتمة للمقالات السابقة حول موضوع الإبداع، سوف نتناول في هذا المقال الحاجة إلى الإبداع على مستوى الدول والمنظمات وحتى مستوى الأفراد، وهل يعتبر الإبداع مهماً في هذه المرحلة الحالية أو في كل مرحلة من دورة حياة المنظمات؟، كما سنتطرق لأنواع الإبداع، كالإبداع الفني والاداري والمساند من وجهة نظر بعض الباحثين:
خامساً: الحاجة إلى الإبداع:
لقد برزت أهمية الإبداع الإقتصادي للدول الصناعية في ظل ثورة التنافس العالمي على نطاق واسع، حيث أصبح العالم أكثر انفتاحاً لجميع الدول، وتعمل المؤسسات في ظل ظروف متغيرة ومعقدة تفرض عليها تحديات عديدة وكبيرة لم تشهد من قبل، ولذلك أصبح من الضروري على المنظمات مواجهة مثل هذه التحديات بالسرعة التي تخطيها الثورة المعلوماتية من تنافسية، وما تحمله من تطوير واتقان واحرتفية في تقديم الخدمات، مما أدى إلى تزايد الاهتمام بمدخلات التطوير والتحسين من خلال الإبداع الأفكار الإبداعية، حيث أن الإبداع الأداة الأساسية التي تحقق النجاح والاستمرار فيه في وتيرة عالية بالانتاج والتسويق ضمن منهج الجودة الشاملة وأيضاً إخراج المنظمات من ضغوطها في البيئة الخارجية وتدعم البيئة الداخلية لتحقق الابداع في الخدمات والسلع الجديدة، ويتحقق ذلك من خلال:
• استجابة المنظمات لحوجتها للإبداع من خلال تبنيه ضمن منهج شمولي على مستوى الفرد والجماعة والمنظمة.
• التزام بعض المنظمات التي تواكب السوق العالمية بإعتماد مختبرات إبداعية لتطوير الأفكار الإبداعية وتنمية مواردها البشرية، والاهتمام بالبحث العلمي.
• كما ركزت بعض المنظمات على تنمية وتدريب الموارد البشرية ومجوعات التركيز لديها في نشر الثقافية الإبداعية والتفكير الإبداعي لاستخدامه كميزة تنافسية في وجه المنظمات الأخرى.
• استراتيجيات مختلفة كاستراتيجية المحيط الأزرق.
• نتيجة ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﰲ ﺍﻷﺳﻮﺍﻕ ﺍﻟﻌﺎﳌﻴﺔ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﺮﺽ ﺿﻐﻮﻃﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺆﺳﺴﺎﺕ ﺣﱴ ﺗﺼﺒﺢ ﻣﺒﺪﻋﺔ ﰲ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺳﻠﻊ ﺟﺪﻳﺪﺓ، وهكذا فإن كل مؤسسة تطلب الإبداع من قبل العاملين لديها، ﻛﻤﺎ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺑﻨﻴﺔ ﻣﻨﺴﻘﺔ ﻭﻧﻈﺎﻡ ﺇﻣﺪﺍﺩ ﻹﺟﺮﺍﺀ الأبحاث والتطوير وإنتاج حلول ومخرجات إبداعية، وهو ما يعرف بمفهوم الإبداع عند الطلب.
• ﻛﻤﺎ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﻔﻬﻮﻡ “ﺍﻹﺑﺪﺍﻉ ﻳﻮﻟﺪ ﺍلحاجة ” Innovation creating demand ” وهو ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺗﻜﻤﻴﻠﻲ، حيث يمكن للطفرات البحثية الإبداعية أن تخلق سوقاً جديداً بالكامل، فمثلاً إبداع شبكة المعلومات الدولية أدى إلى وجود سوق جديد تماماً لكل قطاعات الصناعة، حيث ربطت الشبكة العالم كله ببعضه البعض بأسرع مما كان يتخيل أي إنسان.(1)
• ﺃﻣﺎ ﰲ ﺍﻟﻮﻃﻦ العربي، ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﺎﺳﺔ ﻟﻺﺑﺪﺍﻉ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻭ ﺍﳉﻤﺎﻋﺎﺕ ﻭﺍﳌﺆﺳﺴﺎﺕ ﻭﰲ شتى المجاﻻﺕ ﻭﺍﳌﻴﺎﺩﻳﻦ بهدف تحقيق التنمية الشاملة لجميع أبعادها، وللصمود في مواجهة التحديات الكبرى الداخلية والخارجية، إذ يوجد هناك قصور واضح في مجال الإبداع بين الأفراد والمؤسسات. (2)
سادساً: أنواع الابداع:
تختلف أنواع الإبداعات بإختلاف مجالاتها، ويمكن تمييزها وفقاً لمعايير وتصنيفات متعددة ومختلفة، فقد يكون علمياً أو إدارية أو فنياً أو قد يكون متمثلاً في طرح أفكار جديدة مفيدة، أو سلعة ذات ميزة تنافسية تشبع حاجات الناس، كما يمكن أن يكون الإبداع بالتوصل إلى طريقة يتقرب فيها الإداري بين مرؤوسيه ويدفعهم إلى العمل بروح الفريق بالتضامن حول الهدف المنشود، أو زيادة وتحسين التعاون بين أفراد المنظمة(3)، وفي هذا الصدد فقد تطرق الباحثون لثلاث أنواع من الإبداع هم:
1. الإبداع الفني: أي الإبداع الذي يتعلق بالتقنيات التي تستخدمها المنظمة والنشاطات والعناصر والعمليات التي تؤدي إلى تحسين وتطوير المنتجات أو الخدمات التي تقدمها.
• الابداع الفني يسبق الإبداع الإداري، ويعتبر كمقدمة له بحيث أن المنظمات تتبنى الإبداع الفني بشكل أسرع من تبنيها الإبداع الإداري.
• يعتبر الإبداع الفني في مجال النشاط الأساسي لللمنظمة.
• يهتم بالأسلوب والطريقة التي ينظم بها العمل والاهتمام بطبيعة التفاعل بين الأفراد وعلاقاتهم ببعضهم البعض.
• ينظر إليه بأنه أكثر فاعلية من الإبداع المساند والإبداع الإداري على الرغم من أن الأداء التنظيمي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإبداع الاداري أكثر من الإبداع الفني.
2. الإبداع الإداري: أي ما يتعلق بالاجراءات والأدوار والبناء التنظيمي والقواعد وإعادة تصميم العمل، إضافة إلى النشاطات الإبداعية التي تعمل على تطوير وتحسين التعاون والتفاعل بين الموظفين والتميز في علاقاتهم للوصول إلى النتائج المرجوة.(4)
• يعتبر الإبداع الإداري من حيث النطاق الإجتماعي والإداري للمنظمة.
• يهتم بالأسلوب والطريقة التي ينظم بها العمل والاهتمام بطبيعة التفاعل بين الأفراد وعلاقاتهم ببعضهم البعض.
• يسهل ويعمل على تيسير العمليات الإبداعية التي تمكن المنظمة من العمل بصورة أفضل وإيجاد الحلول الإبداعية للمشاكل التي تواجهها بكفاءة وفاعلية.
• يساعد المنظمة بالعمل بصورة أحسن من خلال تحسين التنسيق والرقابة الداخلية والهيكل التنظيمي.
• يسهل ويعمل على تيسير العمليات الإبداعية التي تمكن المنظمة من العمل بصورة أفضل وإيجاد الحلول الإبداعية للمشاكل التي تواجهها بكفاءة وفاعلية.
• أيضا يحدث تغييرات ايجبابية في بناء المنظمة وعملياتها الإدارية ويساعدها على التكيف مع البيئة المحيطة وتحسين إنتاجيتها والإرتقاء بمستوى أدائها وأداء الموارد البشرية
3. الإبداع المساند: وهو الإبداع المتصل بالبيئة المحيطة بالمنظمة بحيث يتجاوز الأنشطة الرئيسية للمنظمة. (5)
والبعض الأخر صنف الإبداع تبعاً لمجاله أو موضوعه إلى: (6)
• إبداع في الأهداف ويتضمن الغايات التي تسعى المنظمة لتحقيقها.
• إبداع يرتبط بالهيكل التنظيمي متضمناً القواعد والأدوات والإجراءات، وإعادة تصميم العمل وتحسين العلاقات بين الأفراد والتفاعل فيما بينهم.
• ابداع يرتبط بالمنتج أو الخدمة ويتضمن انتاج منتجات وخدمات جديدة(فني)
• ابداع يرتبط بالعملية ويركز على الكفاءة والفاعلية وتطوير العمليات داخل المنظمة مثل عمليات التشغيل وإدارة الموارد البشرية .
• إبداع يرتبط بخدمة الزبائن ويتضمن التركيز على تلقديم خدمات للمستفيدين تفوق توقعاتهم.
وقد اقترح “زالتمان، دنكن، هولبك” (Zaltman;Duncon;&Holbek) تصنيفاً لأنواع الإبداع وخاصة الابداع الاداري فقاً لثلاث محاور: (7)
1. الإبداع المبرمج والإبداع غير المبرمج: أما لإبداع المبرمج يشير إلى الإبداعات المخطط لها مسبقاً وضمن خطة المنظمة، أما الإبداع غير المبرمج، فهو يتضمن تلك الإبداعات التي لم يخطط لها مسبقاً، والذي يتضمن جهود الفرد أو الجماعة في جذب اهتمام المنظمة التي هي بحاجة للتغيير في بعض جوانب نشاطها، والتي لم يتم الإنتباه إليها مسبقاً، وقد أطلق عليه الإبداع الاستجابي.
2. الإبداع القائم على أساس الوسائل والغايات: إن إبداع الغايات يتميز بأنه الإبداع النهائي الذي يعتبر هدفاً بحد ذاته، أما الإبداع المتعق بالوسائل أي تلك الإبداعات التي تتم من أجل تسهيل وتيسير الوصول إلى الإبداع المرغوب، وهذا النوع يؤكد على ضرورة توفر الوسائل المناسبة التي تمكن المبدعين من تحقيق أهدافهم.
3. الإبداع المتعلق بدرجة الجدية: ويطلق عليه الإبداع الجذري، ويقصد هنا بأن كافة الإبداعات التي تتضمن الجدية والخطورة في تحقيقها توصف بالإبداعات الجذرية، وهو الأكثر شيوعاً لارتباطه المباشر في ادارة التغيير.
ومن ضمن التصنيفات العديدة لإبداع حسب خصائصه أو طبيعة ومجال الإبداع أو دلالاته المختلفة بوصفة ظاهرة معقدة المضامين وواسعة الأبعاد ، فإن سلومون وستوارت (Solomon & Stwart) صنفا الإبداع إلى ثلاث أنواع هي: (8)
1. الإبداعات المستمرة: وهي التي تأتي بتغيرات صغيرة تدريجية كما في تغيرات مركز المنتج، توسعات الهط، تنويعات لتخقيف ضجر الزبون.
2. الإبداعات المستمرة الديناميكية: وهي تغييرات أكبر من المنتج الحالي وتكون ذات تأثير معقول على طريقة الأشخاص في عمل الأشياء، كما في هواتف اللمسة وآلات التصوير.
3. الإبداعات المتقطعة: وهي التي تنشىء تغييرات رئيسية عما قبلها من تكنولوجيا أو منتجات، وفي بعض الحالات تغير أسلوب الحياة، مثل ابتكارات السيارة، الطائرة، الهاتف، الحاسوب.
كما صنف بيرثون (Berthone) الإبداعات بالعلاقة مع التوجه إلى الزبون إلى أربعة أنواع هي: (9)
1. إبداعات العزلة : وهي التي تطور في المؤسسة بدون علاقة مع السوق أو الزبون، وهي محدودة الجهود في التطويرات اللاحقة، واستراتيجياتها تقوم على المحافظة على ابتكارها الحالي، كما تكون من الناحية التنظيمية بيروقراطية داخلية التوجه.
2. إبداعات الإتباع: أي التي تتبع الاحتياجات الحالية في السوق بالاعتماد على بحوث السوق الرسمية أو غير الرسمية، حيث يتم تطوير المنتجات في هذا النوع من الإبداعات بأنه تديجي واستراتيجية المؤسسة استجابية، كما تكون ذات ثقافة موجهة للزبون.
3. إبداعات التشكيل: وهذه الإبداعات تقوم بإنشاء وتشكيل السوق، والزبائن فيها لا يكونوا واعيين لحاجاتهم أو رغباتهم بالمنافع التي يقوم بايجادها هذا النوع من الإبداعات، والتطوير يتم بالوثبات المتقطعة، واستراتيجية المؤسسة حازمة في خيار التطوير، كما تكون موجهة للتكنولوجيا.
4. إبداعات التفاعل: وهي التي يتم تحقيقها عبر التفاعيل والعلاقة بين التكنولوجيا – السوق أو الزبون، بالاعتماد على المحاورة والتفاوض، وتكون المعرفة بالسوق هي الأصل الاستراتيجي الرئيس في المؤسسة، ويكون تطوير المنتجات واستراتيجية المؤسسة تشاركية، كما يكون توجه المؤسس وثقافتها تفاعلية ومرنة.
نرى من خلال ما تم ذكره في أنواع الإبداع وفكر الباحثين وعلماء علم الإدارة بأنه لا يوجد حتى الأن اتفاق واضح وصريح لأنواع الإبداع من حيث الفاعلية والقابلية للتطبيق، ونرى أيضاً بأن الإبداع الفرد أو المؤسسي يرتبط مباشرة بالحالة أو البيئة أو الحاجة التي تفرضها الظروف، فممن أن يكون إبداعات على المستوى التنظيمي او الانظمة الداخلية أو الهيكل التنظيمي، ويمكن أن تكون مساندة ومتقطعة بذات الوقت حسب الحاجة لها، ونرشح الابداعات التفاعلية التي تأتي من المنظمة والمتعامل لأنها تلامس الواقع ويكون المتعامل بحاجتها، وبمجرد أن تطرح المنظمات الأسلوب التشاركي في التطوير والتحسين تكون السباقة فيها.
المراجع:
1. برافين جوبتا، د. أحمد المغربي، الإبداع الإداري في القرن الحادي والعشرين، مصر ، القاهرة، دار الفجر للنشر والتوزيع، 2008.
2. سليم بطرس جلدة، زيد منير عبوي، إدارة الإبداع والابتكار، الأردن، عمان ، دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، 2006.
3. العازمي، محمد، القيادة التحويلية وعلاقتها بالإبداع، دراسة مسحية على العاملين المدنيين بوزارة الداخلية، أكاديمية نايف للعلوم الأمنية، الرياض، 2006.
4. حريم، حسين، السلوك التنظيمي سلوك الأفراد في المنظمات، عمان ، دار زهران للنشر والتوزيع.، 1997.
5. الشقحاء، عادل، علاقة الأنماط القيادية بمستوى الإبداع الإداري، دراسة مسحية على العاملين في المديرية العامة للجوازات بالرياض، أكاديمية نايف للعلوم الأمنية، الرياض، 1424.
6. السلطان، فهد بن صالح، التحديات الإدارية في القرن الواحد والعشرين، الرياض ، مطابع الخالد للأوفست، 2004.
7. هيجان، عبد الرحمن أحمد، المدخل الإبداعي لحل المشكلات، الرياض، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، مركز الدراسات والبحوث، 1999 .
8. د. نجم عبود نجم، إدارة الابتكار، المفاهيم والخصائص والتجارب الحديثة، الأردن ، عمان ، دار وائل للنشر، 2003.
9. د. نجم عبود نجم، مرجع سابق، 2003.