ومضات معرفية (5) فوبيا الذكاء الاصطناعي

شبكة بيئة ابوظبي، بقلم د. حسام حاضري مستشار التطوير الاستراتيجي، 05 يوليو 2023

يظهرُ الذكاءُ الاصطناعي كلاعبٍ محوري في عصرنا الحالي القائم على المعرفة. وهو ليس مجرد مصطلحٍ تقني، بل هو رمزٌ للثورةِ الرقمية التي تُحدثُ تغييراتٍ جذريةً في كيفية تفكيرنا وطريقة عيشنا. فقد تجاوزَ الذكاءُ الاصطناعي حدودَ الخيال، وأصبح واقعًا يلوحُ في الأفق، وبالتالي فإنهُ من الضرورة بمكان أن نفهمَ أهمية هذا التحول الجذري، وكيفَ يمكنُ للذكاء الاصطناعي أن يبددَ المخاوفَ المتعلقةَ بغزوهِ الخطير.

ومع انتشار “فوبيا الذكاء الاصطناعي” والتي تُمثلُ المخاوفَ والقلق من فكرة غزوهِ وتهديدهِ لوظائف البشر واقتصاد المعرفة بشكلٍ عام لتصلَ إلى حياة الإنسان بشكلٍ خاص. نقفُ لنتساءلَ: هل هذهِ المخاوف مبررةٌ حقًا؟ وكيف يمكننا تبديدها والاستفادة من قوة الذكاء الاصطناعي وترويضهِ في صفنا لا ضدنا؟

وهنا ينبغي أن ندركَ أنّ الذكاءَ الاصطناعي ليس مجردَ تكنولوجيا عابرةً للقارات، بل هو تطورٌ سريعٌ ومتسارعٌ يعدّلُ مساراتهِ من خلال البيانات والتفاعلات مع البيئة المحيطة به. وهذا ما يعطيهِ القدرةَ على التكيّف والتحسُّن باستمرار. ويظهرُ ذلك جلياً من خلال التحديثات المتسارعة لتطبيقاتِ الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، كالمساعداتِ الصوتية والتطبيقاتِ الذكية الحكومية والخاصة.

وتجدرُ الإشارةُ إلى أنّ الذكاءَ الاصطناعي يحتاجُ إلى توجيهٍ ورقابةٍ من قبل البشر؛ فهو يتطلّبُ برمجةً وضبطًا وتدريبًا مستمرًا من قبل خبراءَ ومختصين. وبالتالي فإنّ تطويرَ الذكاء الاصطناعي بحدّ ذاتهِ يُسهمُ في خلق فرصِ عملٍ جديدةٍ في مجالات التطوير والبرمجة والتحليل. وهذا يقودنا إلى حقيقةٍ مفادها أنّ الذكاءَ الاصطناعي ليس مجردَ تهديدٍ لوظائف الأفراد واستبدالها، بل يُمكنُ أن يكون شريكًا استراتيجيًا للمجتمعات في تحقيق تقدم اقتصاد المعرفة. فالجمعُ بين القدرات البشرية والذكاء الاصطناعي سيكونُ مفتاحًا لتحقيق تقدمٍ وازدهارٍ منقطع النظير في مجتمعاتنا المستقبلية.

لذا، دعونا نتعاملُ مع الذكاء الاصطناعي بحكمةٍ ومسؤولية. فلا تُوجدُ حاجةٌ للقلق الزائد أو الهلع من المستقبل طالما وُجدَ التوازنُ بين البشر والتكنولوجيا. هذا التوازنُ من شأنهِ توفير الفرص الهائلة إضافةً إلى تطور القدرات الإنسانية الفريدة لتكونَ فيصلاً في التفكير الإبداعي والتفاعل الاجتماعي وتحليل المواقف غير المتوقعة.

وأما على صعيدٍ آخر فإننا لا ننكرُ الخطرَ الذي قد يُمثلهُ الذكاءُ الاصطناعي على حياةِ الإنسان، والذي لا يقتصرُ على المجال العسكري فقط إذا استُخدمَ في تطوير أنظمة سلاحٍ ذاتيةِ التشغيل وقراراتٍ عسكريةٍ آلية تؤدي إلى صراعاتٍ فتاكةٍ بدونِ تدخلٍ بشريٍ مباشر، وإنما يُهددُ الذكاءُ الاصطناعي أيضاً خصوصيتنا وأمنَ معلوماتنا من خلال جمع وتحليل كمياتٍ ضخمةٍ من البيانات الشخصية، مما يضعُ خصوصيتنا في خطر التعرض للاستغلال والانتهاك. وليس هذا فحسب، فقد يتعرضُ أمن معلوماتنا للخطر أيضًا نتيجة الاختراقات السيبرانية والتهديدات المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.

وللوقاية من ذلك الخطر وما يمثلهُ على حياة الإنسان، ينبغي اتخاذ إجراءاتٍ صارمة بدءاً بوضع إطارٍ تنظيمي دقيق وقوانين واضحة تُنظّمُ استخدامَ الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري وجميع المجالات الأخرى، وتضمنُ الامتثالَ للمبادئ الأخلاقية وحماية حقوق الخصوصية وأمان المعلومات الشخصية. ومروراً بتطوير تقنيات الحماية الأمنية المتقدمة لمكافحة التهديدات السيبرانية واختراقات الأنظمة لضمان تعزيز الأمان وتشفير البيانات وتوفير طرق موثوقة للتحقق من الهوية والدخول. ووصولاً إلى رفع الوعي العام بخطورة انتهاك الخصوصية وضرورة حمايةِ المعلومات الشخصية، وتوعيةِ الناس بأهمية اتخاذ إجراءاتِ الحماية الشخصية وتدريبهم على استخدام التقنيات الآمنة وتفادي مشاركة المعلومات الحساسةِ عبر الإنترنت.

وخلاصةُ القول: إنّ للذكاء الاصطناعي أهميةً بالغةً في عصرنا الحالي إذا تم استخدامهُ بحكمةٍ، وتوجيههِ بقوانينَ وأخلاقياتٍ واضحة. وإذا أردنا الجمعَ بين القوة العظمى للذكاء الاصطناعي والقدراتِ البشرية الفريدة لتحقيق النقلةِ النوعية في مجال الابتكار والتقدم الاقتصادي؛ فعلينا أن نتجاوزَ فوبيا الذكاء الاصطناعي وأن نتطلعَ إلى المستقبل بتفاؤلٍ ورؤيةٍ واضحة. خاصةً ونحنُ في خضم مرحلةٍ تاريخيةٍ مهمة، حيثُ يُمكنُ للتكنولوجيا أن تساهمَ في إحداث تغييراتٍ إيجابيةٍ جذريةٍ في حياتنا تنقلنا إلى أعتابِ طفرةٍ جديدةٍ من التقدم والازدهار.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

ومضات معرفية (7) الثروة الفكرية الموجهة

شبكة بيئة ابوظبي، بقلم د. حسام حاضري مستشار التطوير الاستراتيجي، 25 يوليو 2023 تتميزُ العقولُ …