قمة المناخ وكيفية الاستفادة من التمويل الدولي لدعم استراتيجيات التكيف والتخفيف
حوار خاص مع المهندس عماد سعد
خبير الاستدامة والتغير المناخي، رئيس شبكة بيئة ابوظبي
أجرته الزميلة الأستاذة ميناس بني ياسين من جريدة الأنباط الأردنية تم نشره يوم 12 نوفمبر 2024
حول موضوع الهدف الجماعي الجديد (NCQG) في مفاوضات المناخ (COP29)
https://alanbatnews.net/article/445295
1. كيف يختلف “الهدف الجماعي الجديد” (NCQG) عن أهداف تمويل المناخ السابقة، ولماذا هو ضروري الآن؟
وما فكرة 100 مليار دولار سنويا بالتحديد
الهدف الجماعي الجديد (NCQG) يختلف عن أهداف تمويل المناخ السابقة من حيث طبيعته وأهدافه الزمنية والكمية.
من حيث النطاق والأهداف هناك بعض الاختلاف، فالهدف السابق (100 مليار دولار سنوياً) هذا الهدف تم اعتماده خلال مؤتمر كوبنهاغن في 2009 وكان يركز على حشد 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020 لمساعدة الدول النامية في التكيف مع تغير المناخ والحد من انبعاثاته. أما الهدف الجماعي الجديد (NCQG) يستهدف فترة ما بعد 2025 ويُتوقع أن يكون أكبر وأكثر شمولية، حيث يشمل تمويل أكبر لتحقيق الأهداف المناخية وتعزيز التكيف والصمود في مواجهة تغير المناخ.
أما من حيث الكمية نجد أن هدف جمع (100 مليار دولار) سنوياً كانت تمثل تعهداً محدداً سنوياً، ولكنه لم يُحقق بالكامل وواجه انتقادات لعدم كفايته لتغطية الاحتياجات الفعلية للدول النامية. في حين الهدف الجماعي الجديد (NCQG) يُتوقع أن يكون هدفاً أكثر طموحاً يتجاوز 100 مليار دولار سنوياً، استجابة للاحتياجات المتزايدة المرتبطة بالتغير المناخي.
في حين من ناحية المرونة والشمولية نجد أن الهدف السابق جمع (100 مليار دولار) كان الهدف مُحدداً للدول المتقدمة لتقديم الدعم للدول النامية. اما الهدف الجماعي الجديد (NCQG) يفقد صمم ليكون أكثر مرونة وشمولية في مشاركة مختلف الأطراف من القطاعين العام والخاص، ويشمل تمويل المشاريع المتعلقة بالتكيف والتخفيف من تغير المناخ. إن الهدف الجماعي الجديد هو محاولة لتجاوز هذه التحديات وتقديم إطار أكثر طموحاً وشمولية للتمويل المناخي.
2. ما هي الطرق التي من المتوقع أن تساهم بها الدول المتقدمة والمنظمات الدولية في هذا الهدف المالي الجديد؟
لتحقيق الهدف الجماعي الجديد (NCQG) في تمويل المناخ، من المتوقع أن تساهم الدول المتقدمة والمنظمات الدولية عبر مجموعة من الطرق المتكاملة التي تركز على زيادة التمويل، تحفيز القطاع الخاص، تقديم المساعدات الفنية، وتعزيز التعاون الدولي. نذكر منها زيادة التمويل المباشر، فالدول المتقدمة ستزيد من التزاماتها المالية عبر تقديم منح وقروض ميسرة لدعم مشاريع المناخ في الدول النامية. ستركز هذه التمويلات على التخفيف من آثار التغير المناخي والتكيف معها، مثل تحسين البنية التحتية المقاومة للمناخ وتطوير مصادر الطاقة المتجددة. وتحفيز القطاع الخاص من خلال توفير ضمانات مالية وحوافز، سيتم تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في التقنيات الخضراء والمشاريع المستدامة في الدول النامية. الشراكات بين القطاعين العام والخاص ستعزز هذا الجهد، مما يساهم في نقل التكنولوجيا وخلق فرص استثمارية مستدامة. والتمويل المبتكر حيث سوف يساهم استخدام أدوات مالية مبتكرة، مثل السندات الخضراء وآليات السوق (كأنظمة تداول الانبعاثات)، في تعبئة موارد إضافية لمشاريع المناخ. كما يمكن أن توفر آليات التأمين ضد المخاطر المناخية دعماً إضافياً.
على سبيل المثال الاتحاد الأوروبي قد يضاعف مساهماته في تمويل المناخ من خلال برامج التنمية المستدامة. والولايات المتحدة الأمريكية أيضاً قد تزيد من المساعدات المناخية ضمن سياساتها الخارجية لدعم الدول النامية (وهذا مرهون بنتائج الانتخابات الامريكية الجديدة)، والبنك الدولي حيث يخطط لتوسيع تمويل المشاريع المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ في المناطق الأكثر تأثراً. بهذا النهج الشامل، ستعمل الدول المتقدمة والمنظمات الدولية على تعزيز الجهود المشتركة لمواجهة تحديات التغير المناخي، وضمان توفير الدعم المالي الكافي للدول النامية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
3. كيف يمكن تحميل شركات القطاع الخاص، خاصة في مجال الوقود الأحفوري، المسؤولية عن انبعاثاتها من خلال مساهماتها في صناديق المناخ مثل صندوق العمل المناخي؟
تحميل شركات القطاع الخاص، وخاصة في مجال الوقود الأحفوري، مسؤولية انبعاثاتها يمكن تحقيقه من خلال عدة استراتيجيات وآليات متكاملة، تشمل مساهماتها في صناديق المناخ مثل صندوق العمل المناخي. من خلال فرض التزامات مالية عبر التشريعات مثل رسوم الكربون حيث يمكن للحكومات فرض رسوم على انبعاثات الكربون، بحيث تُستخدم العائدات لتمويل صناديق المناخ. الشركات ذات الانبعاثات العالية، خاصة في قطاع الوقود الأحفوري، ستتحمل تكلفة أعلى بناءً على مستوى انبعاثاتها، وأنظمة تداول الانبعاثات عبر فرض أنظمة تداول تسمح للشركات بشراء وبيع حقوق الانبعاثات. جزء من العائدات من هذه الأنظمة يمكن أن يذهب مباشرة إلى صناديق المناخ، وتعزيز التزامات المساهمات الطوعية، والإفصاح والشفافية، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، والالتزام بمبادرات دولية، واستخدام الأموال في مشاريع محلية وعالمية. بهذه الآليات، يمكن تحميل شركات الوقود الأحفوري مسؤولية أكبر عن انبعاثاتها وضمان مشاركتها في الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.
4. ما هي الآليات التي سيتم اعتمادها لضمان الشفافية والمساءلة في كيفية تخصيص واستخدام تمويل المناخ؟
لضمان الشفافية والمساءلة في تخصيص واستخدام تمويل المناخ، سيتم اعتماد مجموعة من الآليات المهمة التي تهدف إلى تحسين الحوكمة وضمان أن الأموال تُستخدم بكفاءة لتحقيق الأهداف المناخية. وفيما يلي أبرز هذه الآليات: أنظمة التقارير والإفصاح مثل تقارير دورية وشفافة، وتقارير الافصاح العلني، والرقابة المستقلة والمراجعة، وتقييم الأثر والأداء عبر إشراك المجتمع المدني، واستخدام التكنولوجيا والأنظمة الرقمية، والتعاون الدولي والتنسيق، واتباع إجراءات مساءلة قانونية. مثال ذلك صندوق المناخ الأخضر (GCF) يعتمد الصندوق آليات متقدمة للشفافية والمساءلة، بما في ذلك تقارير مفصلة عن التمويل ومراجعات أداء المشاريع. وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) يقدم تقارير شفافة حول مشاريعه الممولة من تمويل المناخ، مع إشراك المجتمعات المحلية في متابعة التنفيذ. هذه الآليات تعمل معًا لضمان أن تمويل المناخ يحقق أهدافه بكفاءة وشفافية، مما يعزز الثقة بين المانحين والمستفيدين ويضمن استخدام الموارد المالية بفعالية.
5. كيف سيضمن “الهدف الجماعي الجديد” تلبية احتياجات وأولويات الدول النامية، خاصة الأكثر عرضة لتأثيرات المناخ؟
الهدف الجماعي الجديد (NCQG) يسعى لضمان أن التمويل المناخي يلبي احتياجات وأولويات الدول النامية، خاصة تلك الأكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي، من خلال عدة آليات وتوجهات نذكر منها: زيادة التمويل الموجه للدول النامية عبر تخصيص أكبر للتمويل حيث سيركز “الهدف الجماعي الجديد” على زيادة حجم التمويل المخصص للدول النامية، مقارنة بالأهداف السابقة، بهدف تلبية الاحتياجات المتزايدة لهذه الدول في التخفيف والتكيف مع التغير المناخي. ومراعاة الاحتياجات الخاصة حيث سيتم تخصيص جزء كبير من التمويل للدول الأكثر تعرضًا لتأثيرات المناخ مثل الدول الجزرية الصغيرة والبلدان الأقل نمواً.
الى جانب التوازن بين التخفيف والتكيف، وآليات تمويل ومنح ميسرة مع الدعم التقني والفني، وإشراك الدول النامية في صنع القرار، وتعزيز بناء القدرات المحلية بالدول النامية، على سبيل المثال صندوق المناخ الأخضر (GCF) يدعم المشاريع التي تركز على التكيف والتخفيف في الدول النامية، مع تخصيص نصف التمويل لمشاريع التكيف في الدول الأقل نموًا. ومبادرة التمويل المبتكر. هذه الاستراتيجيات تضمن أن “الهدف الجماعي الجديد” لا يقتصر على جمع الأموال فقط، بل يتم توجيهها بشكل عادل وفعال لتحقيق التنمية المستدامة وحماية الدول الأكثر عرضة لتغير المناخ.
6.ما الدور الذي تعتقد أن تمويل المناخ يجب أن يلعبه في تعزيز التنمية المستدامة وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة عالميًا؟
تمويل المناخ يلعب دورًا حاسمًا في تعزيز التنمية المستدامة وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة عالميًا، وذلك من خلال عدة أبعاد رئيسية هي تحفيز التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون عبر الاستثمار في الطاقة المتجددة وتمويل مشاريع الطاقة الشمسية، الرياح، والمصادر المتجددة الأخرى يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما يقلل انبعاثات الكربون، الى جانب دعم الابتكار التكنولوجي وتمويل الأبحاث والتطوير في تقنيات جديدة مثل الهيدروجين الأخضر والبطاريات المتقدمة يسهم في تقليل الانبعاثات. وتعزيز البنية التحتية المقاومة للمناخ، وتقوية الاقتصادات المحلية وتعزيز العدالة الاجتماعية، ودعم الدول النامية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، وتعزيز الشراكات العالمية، وتقليل المخاطر وتعزيز الاستقرار، مثال على ذلك مشروع الطاقة الشمسية في الأردن، حيث ساهم تمويل المناخ في تطوير مشاريع طاقة شمسية تقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتدعم الاستدامة الاقتصادية. وبرنامج الزراعة المستدامة في أفريقيا يهدف إلى تحسين الإنتاجية الزراعية بطرق تحافظ على البيئة وتقلل من انبعاثات الكربون. الخلاص إن تمويل المناخ ليس مجرد أداة مالية، بل هو محفز رئيسي لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة، مما يسهم في بناء مستقبل مستدام وأقل تأثرًا بتغير المناخ.
7. الفرق في هذا الهدف الجديد بين دور الدول المتقدمة والمنتجة والدول النامية بالتحديد؟
الفرق بين دور الدول المتقدمة والدول النامية في “الهدف الجماعي الجديد” (NCQG) يتمحور حول المسؤوليات والالتزامات المتعلقة بتوفير واستخدام تمويل المناخ، استنادًا إلى مبادئ العدالة المناخية والقدرات المختلفة لكل مجموعة من الدول.
فالدول المتقدمة والمنتجة لها دور ثابت ألا وهو المسؤولية التاريخية فالدول المتقدمة تتحمل مسؤولية تاريخية أكبر عن الانبعاثات الكربونية، مما يجعلها ملزمة بتوفير حصة أكبر من تمويل المناخ. الى جانب تمويل التعهدات، ودعم التخفيف والتكيف ونقل التكنولوجيا وتعزيز الشفافية والمساءلة، من خلال التقارير المراجعة الدورية، فالدول المتقدمة مطالبة بتقديم تقارير شفافة حول التزاماتها المالية والتقدم في توفير التمويل المناخي.
أما الدول النامية فلها أدوار مختلف نذكر منها تحديد الاحتياجات والأولويات، فالدول النامية تعمل على تحديد أولوياتها واحتياجاتها المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من الانبعاثات. وتطوير المشاريع، فالدول النامية مطالبة بتطوير مشاريع مستدامة يمكن تمويلها من خلال الموارد المتاحة. والاستخدام الفعال للتمويل لتطوير البنية التحتية المقاومة للمناخ، وتعزيز الأمن الغذائي، وتقليل الفقر. وتعزيز الشفافية والمسائلة بتقديم تقارير حول كيفية استخدام التمويل المناخي والنتائج المحققة. والعمل على بناء القدرات المحلية المؤسسية والفنية لتحسين إدارة المشاريع الممولة وضمان تحقيق الأهداف المناخية.
خلاصة القول إن الدول المتقدمة ملزمة بتقديم التمويل ونقل التكنولوجيا وتحقيق الشفافية. والدول النامية تركز على استخدام التمويل لتحقيق التنمية المستدامة، والتكيف مع التغيرات المناخية، مع الإبلاغ عن استخدام الموارد والنتائج المحققة. هذا التفاوت في الأدوار يعكس المسؤوليات التاريخية والقدرات المختلفة، مع التأكيد على أن التعاون بين الطرفين ضروري لتحقيق الأهداف المناخية العالمية.