كيف تحول المغرب إلى عملاق في مجال الطاقة الشمسية عالمياً؟

مع ارتفاع وتيرة استقطاب المجموعات الدولية المختصة..
شبكة بيئة ابوظبي، عبد العالي الطاهري، مدير البرنامج الوطني الإعلام الإيكولوجي، المملكة المغربية 25 ابريل 2022

من منطلق كونها أحد أهم مصادر الطاقات البديلة (الطاقات المتجددة) التي اعتمد عليها المغرب لتدشين مرحلة دخوله « نادي الدول الخضراء»، تخضع الطاقة الشمسية في المغرب لتطورات مستمرة، بهدف الحفاظ على توجه البلاد نحو زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة، بما يدعم جهودها نحو خفض الانبعاثات وتحول الطاقة.

وتشهد المملكة تطوير مشروع الطاقة الشمسية على الأسطح بقدرة 2.5 ميغاواط، باستثمارات تصل إلى مليوني دولار أميركي.
إذ وقعّت شركة إمباور نيو إنرجي النرويجية أول عقد شراكة لها في المغرب، مع زلار هولدينغز -أكبر مجموعة دواجن في المغرب-، وشركة الطاقة المتجددة المغربية جت إنرجي.
ومن المتوقع أن يوّلد المشروع ما يُقدَّر بـ 3800 ميغاواط/ساعة سنويًا، كما يجب أن يؤدي إلى خفض سنوي لانبعاثات زلار هولدينغز من ثاني أكسيد الكربون بما يعادل نحو 3 آلاف طن سنويًا، حسبما نقلت منصة “إي إس آي أفريكا”.
وستقوم جت إنرجي ببناء منشآت الطاقة الشمسية الكهروضوئية على الأسطح لتشغيل 4 مصانع دواجن تابعة لـ زلار في مختلف أنحاء المغرب، بموجب عقد مدته 16 عامًا.

أهمية الطاقة الشمسية في المغرب
أكَّد المؤسس والرئيس التنفيذي لـ إمباور، تيرجي أوسموندسن، أن شركته يشرفها التعاون مع زلار وجِت إنرجي، لإظهار كيف يُمكن أن يلعب استثمار الطاقة الشمسية في الصناعات دورًا رئيسًا في تحول الطاقة في المغرب.
وقال أوسموندسن: “لن يوّفر المشروع نحو 3 آلاف طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا فحسب، بل سيخلق ويحمي نحو 100 وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر”.
وأضاف: “من خلال تقليل الوقت والموارد اللازمة لتمويل مشروعات من هذا النوع، نوضح كيف يتيح صندوق الاستثمار لدينا استيعابًا أسرع لإنتاج الطاقة النظيفة في شمال إفريقيا”.

الطاقة الشمسية.. الحل الأمثل
قال الرئيس التنفيذي لشركة جت إنرجي، إسماعيل التدلاوي: “في هذه المرحلة من عدم اليقين، تُعَد الطاقة الشمسية الكهروضوئية الحل الأمثل لمستخدمي الطاقة، الذين يرغبون في تأمين تكلفة تنافسية للكهرباء على المدى الطويل مع تحسين بصمتهم الكربونية”.
إلى ذلك، قالت الرئيس التنفيذي لشركة زلار هولدينغز، سهام بن حمان، إنَّ الحماية الاجتماعية والبيئية هي أولوية قصوى للشركات التابعة لمجموعة الدواجن: “من خلال هذا المشروع، سنحقق تأثيرًا ملموسًا في توفير طاقة نظيفة وموثوقة وبأسعار معقولة”.
من جانبه، أعرب السفير النرويجي لدى المغرب، سجور لارسن، عن سعادته برؤية شراكة إمباور مع الصناعات المغربية، مؤكدًا أنها ستوفر “نموذجًا تمويليًا موثوقًا لاستثمارات الطاقة الشمسية في المغرب”.
وشدَّد لارسن كذلك على أنَّ مثل هذه الشراكة يمكن أن تكون نموذجًا للفرص المستقبلية والنمو بما يتماشى مع خطة تحول الطاقة في المغرب، معربًا عن رغبته في رؤية المزيد من الشركات النرويجية تتعاون مع نظيراتها المغربية.

كيف تحول المغرب إلى عملاق في مجال الطاقة الشمسية؟
يشتهر المغرب بمصفوفاته الشمسية الضخمة والرائدة على مستوى العالم، لكن هذه المشاريع الضخمة هي مجرد بداية للعمل الذي يمكن للمغرب القيام به في مجال مكافحة تغير المناخ.
صنع المغرب لنفسه إسما كبيرا كدولة رائدة في مجال مكافحة تغير المناخ، وأصبحت الطاقة المتجددة تشكل ما يقرب من خُمُسَي الطاقة الكهربائية في البلاد، وأُلغي بعض الدعم الذي كان موجها للوقود الأحفوري تدريجياً، كما تنفذ الدولة بعضا من أكبر مشروعات الطاقة النظيفة في العالم.
ونتيجةً لذلك، تلقَّت البلاد الكثير من الثناء على إجراءاتها التي تهدف للحد من انبعاثات الكربون.
ورغم أن المغرب يستحق هذه الإشادة، لكنه لا يزال يواجه تحديات حقيقية، فموقعه الجغرافي في نقطة ساخنة لارتفاع درجات الحرارة يجعله عرضة لتأثيرات تغير المناخ، وحتى في الوقت الذي تسعى فيه البلاد إلى إنهاء اعتمادها على الوقود الأحفوري، فإنَّ احتياجاتها من الطاقة آخذة في الارتفاع بسرعة كبيرة.
وعلى الرغم من هذه التحديات، يتمتع المغرب بإمكانيات طبيعية هائلة لإنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية، وقد اتخذ خطوات مهمة لتحقيق ذلك.
ويعود العمل الوطني المغربي بشأن مكافحة التغيرات المناخية إلى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما اتخذت البلاد قرارًا بالعمل على أن تصبح دولة رائدة إقليميا في مجال الطاقة النظيفة وأن تدفع مشروعات الطاقة المتجددة الضخمة إلى الأمام.

ويراهن مسؤولي البلاد على هذه التحولات الكبرى كوسيلة لتكون قادرة على المنافسة اقتصاديًا في المستقبل، وكذلك لتقليل الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري وضمان أمن إمدادات الطاقة، كما يقول محمد علاوي، العضو المنتدب لشركة “أفريكا كلايمت سولوشنز” (حلول المناخ في إفريقيا)، وهي شركة استشارية تتخذ من الدار البيضاء مقرا لها.
وفي عام 2009، وضع المغرب خطة طاقة طموحة تهدف إلى أن تُشكل الطاقة المتجددة 42 في المئة من إجمالي قدرة الطاقة المركبة بحلول عام 2020، وقد أدَّت هذه الخطة إلى توسع قوي في كل من طاقة الرياح والطاقة الشمسية على مدى العقد التالي، وزادت قدرة الطاقة الشمسية الكهروضوئية 16 ضعفًا (وإن كانت النسبة الأساسية في البداية منخفضة) وزادت طاقة الرياح ستة أضعاف بحلول عام 2020.
كما بنى المغرب مجمع نور ورزازات، والذي يعد أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم، ومجموعة هائلة من المرايا المنحنية التي تمتد على مساحة 3000 هكتار (11.6 ميلا مربعا) والتي تركز أشعة الشمس نحو أنابيب من السوائل، ثم يستخدم السائل الساخن لإنتاج الطاقة.

ورغم أنَّ المغرب لم يستطع الوصول إلى هدف 42% برسم العام 2020، إذ شكلت الطاقة المتجددة 37 في المئة من إجمالي الطاقة في عام 2020، لكن البلاد قطعت شوطًا طويلاً في هذا المجال.
ومنذ ذلك الحين، تعهد المغرب بزيادة مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء إلى 52 في المئة بحلول عام 2030 (20 في المئة من الطاقة الشمسية، و20 في المئة من طاقة الرياح، و12 في المئة من الطاقة المائية).
وبالمقارنة بالعديد من البلدان الأخرى، يُبلي المغرب بلاءً حسنًا نسبيًا فيما يتعلق بمكافحة التغير المناخي، إذ تقترب سياساته وتعهداته من أن تتماشى مع الهدف المتمثل في الحد من درجات الحرارة العالمية بمقدار 1.5 درجة مئوية، وفقًا لتحليل من مجموعة أبحاث “تعقب العمل المناخي”.
وفي يونيو/حزيران 2021، حدَّث المغرب تعهده للأمم المتحدة بشأن المناخ، من خلال وعد بتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة تتراوح بين 17 و18 في المئة بحلول عام 2030، بل وتعهد بالعمل على رفع هذه النسبة إلى ما يتراوح بين 42 في المئة و46 في المئة في حال تلقيه دعما دوليا.
كما بذلت المملكة جهودًا كبيرة لتقليل الدعم الحكومي للوقود الأحفوري، مستفيدةً من انخفاض أسعار النفط في عامي 2014 و2015 لإلغاء دعم البنزين وزيت الوقود.
وحظيت البلاد بإشادة كبيرة لاستخدامها الأموال التي وفرتها من رفع الدعم عن الوقود الأحفوري في زيادة الأموال المخصصة للتعليم وتنفيذ خطة التأمين الصحي، ومع ذلك، لا يزال الدعم المالي للمنتجات النفطية يصل إلى حوالي 3.4 مليار دولار (2.5 مليار جنيه إسترليني)، أي حوالي ثلثي عجز الميزانية السنوية للمغرب.
وعلى الرغم من أنَّ انبعاثات المغرب صغيرة مقارنة بالعديد من الدول المتقدمة، فإنَّ حرق الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة والأسمنت لا يزال مصدرًا كبيرًا للانبعاثات في البلاد.
ولا يزال المغرب يستورد معظم طاقته لتلبية استهلاكه المتزايد للطاقة، والذي زاد بمعدل سنوي قدره 6.5 في المئة في المتوسط خلال الفترة بين عامي 2002 و2015، ويجري توليد الكثير من تلك الطاقة المستوردة من الوقود الأحفوري.
ويعتمد المغرب بشكل خاص على طاقة الفحم، التي يتوسع فيها إلى جانب مصادر الطاقة المتجددة، ويُستخدم الفحم في توليد حوالي 40 في المئة من الكهرباء في البلاد، ومع ذلك، في مؤتمر المناخ الذي عُقد في غلاسكو (القمة الأممية الأخيرة للمناخ)، كان المغرب من بين البلدان العشرين التي التزمت التزامًا جديدًا بعدم بناء محطات طاقة جديدة تعمل بالفحم.
تقول فاطمة درويش، أستاذة الأرصاد الجوية في جامعة محمد السادس للفنون التطبيقية ونائبة رئيس اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، إنَّ تقليل الانبعاثات يتطلب تنفيذ تحول “سريع وجذري” للصناعات والتخطيط الحضري والبنية التحتية على الفور.

تقول درويش: “يجب أن نبدأ في الحد من انبعاثات الاحتباس الحراري اليوم إذا كنا نريد الحد من الاحترار بمقدار 1.5 درجة مئوية، وبالتالي الحد من تداعيات تغير المناخ”.
وتشير إلى أنه يمكن تجنب العديد من تأثيرات تغير المناخ في بلدان مثل المغرب إذا تحركنا في الوقت المناسب.
وبالإضافة إلى الاعتماد بشكل أقل على الفحم لتقليل انبعاثات الكربون، هناك حجة مفادها أن صانعي القرار في المغرب يجب أن يركزوا أكثر على المشاريع الصغيرة وليس فقط المشاريع الضخمة، وهو ما يسمح لرجال الأعمال بالاستجابة للاحتياجات المحددة للمناطق المختلفة.
يقول علاوي: “إذا قارنا أنفسنا بتونس أو مصر، فإننا متقدمون جدًا في المشروعات الكبيرة، لكن عندما نتحدث عن الطاقة للأفراد والصناعات، فإنَّ التنظيم غير موجود”.
ويضيف: “لدينا قانون خاص بالمناخ، لكن ليست لدينا قرارات من شأنها أن تسمح للأشخاص والصناعات بتنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة بسهولة”.
ويؤكد خبراء ومختصون آخرون أنَّ مبادرات الطاقة النظيفة الكبيرة في المغرب، مثل مشروع نور للطاقة الشمسية المركزة، تصب في الغالب في مصلحة بلدان أخرى، وليس السكان المحليين.

ويضع المغرب نفسه كمركز للطاقة النظيفة، مع إمكانية تصدير الطاقة المتجددة إلى أوروبا، ولديه بالفعل خطين للكهرباء يربطانه بإسبانيا، ويخطط لإنشاء خط اتصال تحت سطح البحر بالمملكة المتحدة.
لكن المشروعات الضخمة، مثل محطة نور، تتطلب استخراج كميات كبيرة من المياه في منطقة تعاني من ندرة المياه، كما يقول محمد التزروتي، الناشط في منظمة السلام الأخضر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي يضيف: “عندما تُصدِّر الطاقة فهذا يعني أنك تُصدِّر المياه وتستثني المجتمعات الأخرى من هذه الموارد”.
كما حثَّت منظمة السلام الأخضر المغرب على إصلاح قانون الطاقة المتجددة»، حتى يصبح أقل إزعاجًا وبيروقراطية للأفراد فيما يتعلق بامتلاك وبيع الطاقة المتجددة»، كما حثت على تنفيذ قانون يؤدي إلى ربط أنظمة الطاقة المتجددة صغيرة الحجم بالشبكة.
وبدأ المغرب يتأثر بتغير المناخ، ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة السنوية في البلاد بما يتراوح بين 1.1 درجة مئوية و3.5 درجة مئوية بحلول عام 2060، وفقا للتقديرات المناخية العالمية.
ويقع المغرب في منطقة ساخنة لتغير المناخ، ويتوقع معهد ماكس بلانك للكيمياء الفيزيائية الحيوية أنَّ درجات الحرارة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سترتفع مرتين أسرع من المتوسط العالمي.
يذكر أن المغرب هو ثامن أكبر مستقبِل للتمويل المناخي من البلدان الغنية في عامي 2018 و2019، إذ تلقى حوالي 600 مليون دولار (450 مليون جنيه إسترليني).

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

الإعلان عن انطلاق مشروع الزراعة الشمسية المستدامة يوم 9 نوفمبر 2024

شبكة بيئة ابوظبي، مصطفى بنرامل، الخبير البيئي رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ …