شبكة بيئة ابوظبي، مصطفى بنرامل، خبير بيئي، رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمنارات، المملكة المغربية، 3 أكتوبر 2023
عرفت جل دول العالم خلال سنة 2023 العديد من الكوارث الطبيعية من أعاصير وعواصف وفيضانات وحالات الجفاف الحاد والمتردد، والتي كانت ناجمة عن آثار تغير المناخ، نتيجة استهلاك المتزايد للوقود الأحفوري وكثافة انبعاثات الغازات الدفيئة للأنشطة البشرية. الوضعية خلفت تداعيات وخيمة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والتي أرخت بظلالها على باقي مجالات حياة الإنسان والكائنات الحية والمحيط الطبيعي على السواء. فقد ضربت أعاصير قوية وفيضانات جارفة كل من أوروبا وإفريقيا (تركيا – اليونان وليبيا التي تعرضت لإعصار دانيال المدمر بمدينة درنة…) وأمريكا (كاليفونيا والمكسيك اللتان تعرضا لعاصفة هيلاري المدمرة) وآسيا (الصين التي ضربها إعصار دوكسوري – الهند وآسيا الهندية…)، زد على ذلك كوارث أخرى بالعديد من دول العالم، مخلفة جميعها وفيات وجرحا بالآلاف ودمار هائل للمدن والقرى. كما أن ارتفاع درجة الحرارة التي عرفتها سنة 2023، جعلتها أكثر الأعوام سخونة حسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وغيرها، منذ بدء سجلات درجات الحرارة على كوكبنا. وحذر الخبراء من أن درجات الحرارة القياسية هذه ستزداد سوء، حتى لو خفضت البشرية بشكل حاد انبعاثات الغازات المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض. هذا الارتفاع، أدى لحدوث بشكل سريع وعلى مساحات شاسعة حرائق عديدة بدول البحر الأبيض المتوسط وكندا وأستراليا وأمريكا… مخلفة أضرارا بشرية ومادية كبيرة.
للتصدي لتغير المناخ وآثاره الوخيمة، عمل الإنسان على البحث عن بدائل للاستهلاك الوقود الأحفوري بمختلف أنواعه الصلبة (الفحم الحجري) والسائل (مشتقات البترول) باستعمال مراكز البعث العلمي المنتشرة على وجه الأرض. خلصت النتائج على أن تكنولوجيات الطاقات المتجددة (مثل: الطاقة الهيدرو كهربائية الطاقة الشمسية – الطاقة الريحية – الطاقة الحيوية –– الطاقة الحيوية – الطاقة الحرارية الأرضية) هي الحل الأمثل للتغلب على الغازات الملوثة وأهما ثنائي أوكسيد الكربون المسبب الأول للاحتباس الحراري ومنه تغير المناخ الذي يؤدي لحدوث الكوارث مما يؤكد على أنها ذات أسباب إنسانية بالرغم من أنها طبيعية.
والمغرب مثله مثل العديد من البلدان الأخرى، تأثر بتأثيرات تغير المناخ، مما يتخذ القرار ليكون من أولى الدول المعتمدة على الطاقات المتجددة وفق استراتيجيته من أجل التخفيف من هذه الآثار والتكيف والتأقلم معها.
فالطاقات المتجددة لم تكن خيار المغرب من أجل البيئة، بل كان التزام، بتعزيز القدرات في هذا المجال، ليكون رائدا في مجال الطاقة المتجددة من جهة، وذلك من خلال زيادة حصة الطاقة المتجددة، في مزيج الطاقة بالمغرب لتقارب نسبة 52% بحلول عام 2030. وذلك بهدف خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة تصل إلى 20 في المئة، وكذا لأجل المساهمة في إزالة الكربون، وسلك الطريق نحو الحياد الكربوني في المستقبل. كما اعتمد المغرب على قدرته في استغلال موارده الشمسية والريحية لإنتاج الأمونياك “الأخضر”، الخالي من الكربون، والتي تعد فرصة استراتيجية حقيقية للبلاد نظرا للتكامل الطبيعي لهذا المنتج مع الفوسفاط، الذي يعد المغرب ثاني أكبر منتج له في العالم. وهذا ما يجعل أن التحول الطاقي “الأخضر” أصبح أمرا ملحا وحتميا لكل الإنسانية.
ونظرا للقضايا المناخية المتطرفة التي أصبحنا نعيشها اليوم، يشكل تطوير مصادر الطاقة الخضراء، المتجددة، النظيفة والصديقة للبيئة تحديا كبيرا من الناحية العلمية والتقنية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، خاصة أن المغرب وضع لنفسه استراتيجية طاقية من بين أهدافها، إنتاج طاقات متجددة بما يمثل أكثر من نصف مزيج الطاقة في أفق 2030. عموما استراتيجية المغرب الوطنية للنجاعة الطاقية المتجددة، سيمكنه من التخلص من التبعية الطاقية من الموارد الأحفورية. حيث ستنخفض النسبة من 88% إلى 35% بحلول سنة 2040، وأقل من 17 في المئة بحلول 2050.
المغرب اليوم لديه إمكانات كبيرة للطاقة المتجددة من طاقة شمسية وطاقة رياح وفيرة. وقد استثمر كثيرا في تقنيات الطاقة المتجددة الجديدة، لضمان مستقبل مستدام. حيث يمتلك سجلًا حافلًا، في المجال. ففي عام 2016، أصبح المغرب، أول دولة في إفريقيا تبني محطة طاقة شمسية بقدرة 1 جيجاوات بمدينة ورززات (مشروع نور1 وتلاه نور2 ونور 3 ونور4 ومحطات أخرى بسعة إجمالية فاقت 1400 ميغاوات). بالإضافة للطاقة الريحية، وفي عام 2021، أطلق المغرب مشروعًا ضخمًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر. ويهدف مشروع الهيدروجين الأخضر، إلى إنتاج 100 ميغاواط من الهيدروجين الأخضر، بحلول عام 2025. كما يعد جزءًا من استراتيجية المغرب الوطنية ليصبح بلدا محوريا على المستوى العالمي لتطوير تكنولوجيا صناعة الهيدروجين الأخضر. ومن المتوقع أن يصل الطلب العالمي على الهيدروجين الأخضر إلى حوالي 30 مليون طن سنوياً بحلول عام 2030، ومواصل النمو بشكل كبير ليبلغ 610 مليون طن سنوياً بحلول عام 2050.
انطلاقا من هذا التحليل يعتبر خيار المغرب نحو الطاقات المتجددة خيارا مهما من الناحية تطوير التقنيات الجديدة الابتكارية والاقتصادية. وفرصة للحد من التبعية الطاقية، وتحسين القدرة الشرائية، والرفع من تنافسية الصناعات والحسابات العمومية، وكذا تعزيز تموقعه كرائد إقليمي في هذا المجال.
فاليوم، أثبتت الطاقة المتجددة أنها أقل تكلفة من الوقود الأحفوري من الناحية المالية والبيئية في كل بلدان العالم التي اتخذت هذا النهج، وفرصة للباقي للتحفيز واتخاذ القرار من أجل التخلي على مصادر الطاقة الأحفورية، والاعتماد على الطاقات المتجددة النظيفة، وهي دعوة لكل الدول العربية لاتخاذ نفس القرار مثل المغرب من أجل المضي نحو طاقات تخفف من آثار التلوث وتحد من كل أسباب تغير المناخ.
كما أصبح الإنسان مقتنعا اقتناعا راسخا بأن مصادر الطاقة هي وسيلة للنمو والازدهار وليست فحسب أداة ضغط في وقت الأزمات، لذلك فإن المحافظة على المكانة الاستراتيجية في أسواق الطاقة العالمية هو السبيل الأمثل لتحقيق رفاه المجتمعات.
ويعد السعي نحو الطاقات المتجددة، هو سعي لتنفيذ الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030، وهو “ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة” ليكون بمثابة نقطة انطلاق ثورة طاقية نظيفة، حيث يتعين على دول العالم مراجعة استراتيجياتها الوطنية، لتعطي حيزا كبيرا للطاقات المتجددة من أجل مستقبل الكوكب والأجيال القادمة على السواء.